الصفحة التالية الصفحة السابقة

وجـود البشـر في حـدِّ ذاتـه علامـة رائعـة!

 

حـوار مـع دِزْمـونْـد تـوتـو

 

مع أن دزموند توتو لم يكن قد التقى أبدًا بستيڤن بيكو، فهو الذي طُلِبَ منه في العام 1977 أن يؤبِّن هذا المجاهد الأسود الذي لَقِيَ حتفَه في ميتة فظيعة تحت التعذيب في إحدى مخافر شرطة جنوب أفريقيا. كان أكثر من 30000 شخص حاضرين الجنازة، ينتابهم شعورٌ بالحزن ممتزج بشعور بالغضب يكاد أن يتعذَّر كظمُه. إذ لم يفقد هؤلاء في ستيڤ بيكو زعيمًا ساعدَهم على تنظيم صفوفهم وحسب، بل رجلٌ رفع من معنوياتهم أيضًا، مقويًا فيهم الاعتزازَ بلون بشرتهم ومذكِّرًا إيَّاهم بتاريخهم المجيد.

يومذاك، كلَّمهم دزموند توتو على الغفران، كما كان فعل مرات عديدة من قبلُ وكما فعل تكرارًا من بعدُ – الغفران للشهداء وللخونة على حدٍّ سواء –، فحثَّ أصدقاءَ الفقيد على "الصلاة من أجل قادة البلاد ومن أجل الشرطة – ولاسيما قوى الأمن وحرَّاس السجن – حتى يدركوا أنهم بشر هم أيضًا. إنِّي أسألكم أن تصلوا من أجل البيض في جنوب أفريقيا."

يعرف دزموند توتو، على غرار غاندي ومارتن لوثر كنغ وستيڤن بيكو، أن "القمع ينزع الإنسانية عن القامع بقدر ما ينزعها عن المقموع". إنه ينصح لأصحابه أن يصونوا كرامتهم ويذكِّرهم بأن لا أحد بمقدوره أن يسلبهم إيَّاها. وهو مافتئ يدعو إلى حلٍّ لاعنفي في الكفاح من أجل الحرية الذي نهض له السودُ في جنوب أفريقيا. وقد مُنِحَ جائزة نوبل للسلام في العام 1984 تقديرًا لجهوده.

* * *

ثمة في كلِّ مدينة من مدن جنوب أفريقيا "غيتو"[1] يسمَّى بـ"الدسكرة" township ويعيش فيه السودُ منفصلين عن بيض المدينة أو القرية الأقرب. وهم يقطنون في شروط سكن بدائية، أغلب الأحيان في ملاجئ خَرِبَة مصمَّمة خصيصًا بحيث لا تشجِّع على فكرة الإقامة الدائمة حتى. ولا يحق لسكَّان الدسكرة امتلاكُ الأرض أو البيوت التي فيها يعيشون. وأغلب الدساكر لا كهرباء فيها، ولا نظام صرف صحي، ولا شبكة مياه للشرب. غيومٌ سوداء كثيفة تتصاعد من الأفران وتبقى عالقةً في الجو. ويتساكن أربعة عشر شخصًا وسطيًّا في مساكن من أربع غرف، والمرض والجنوح كلاهما منتشر في كلِّ مكان. أزهارٌ نفيسةٌ كثيرة تذبل في هذه الظروف القذرة حتى من قبل أن تتفتَّح. ونادرون هم الذين يتمكَّنون من الخروج من هذا الغيتو، وحين يتوصَّلون إلى ذلك، فإن التفكير ينصرف إلى الملايين الآخرين الذين لم يحظوا بهذه الفرصة.

ولد دزموند مپيلو توتو Desmond Mpilo Tutu في 7 تشرين الأول من العام 1931 في مدينة مناجم شمال الترانسڤال، ونشأ في الدساكر حيث كان أبوه مدرسًا وكانت أمه خادمة. كان تلميذًا لامعًا على نحو خاص، تعلَّم النطق بعدة لغات أفريقية، إضافة للإنكليزية والأفريكانية Afrikaans، "لغة القامعين". يتذكر من سني طفولته ولعَه باللعب وبالحماقات المعتادة، وبالأخص وعيه المتزايد بالأپارتهايد apartheid (حرفيًّا: "الفصل" بالأفريكانية)، في المدرسة كما في الشارع. كان يشعر بالغضب يجتاحه كلما رأى والده يُهان بسبب اضطراره إلى إبراز جواز مروره، وهو بطاقة هوية على الجميع من غير البيض أن يحملوها على الدوام وأن يُبرزوها حين الطلب. كان النظام آنذاك جزءًا لا يتجزأ من واقعهم، بحيث توصَّل دزموند إلى قبوله كأمر سوي. ولقد قال فيما بعد إن أحد أكبر مخاطر التمييز العنصري هو أن "الناس يعانون من غسيل الدماغ هذا حتى ينتهي بهم الأمر إلى قبول القمع والاستغلال اللذين يتكبدونهما."

لكن المرض هو ما أتاح له الخروج من الغيتو. ففي الرابعة عشرة من عمره، أصيب بمرض السل وبقي يُعالَج في المستشفى سنتين. كان تريڤور هَدلستون – وهو راعٍ أنغليكاني يقوم على رعية سوداء كبيرة – يزوره تكرارًا في المستشفى مستأنسًا بظُرف الصبي وفطنته. ولقد صار هَدلستون واحدًا من قوى التغيير في جنوب أفريقيا، وكان له تأثير كبير على حياة دزموند توتو. فمع احتكاك توتو بالراعي هَدلستون، استيقظ فيه خشوعٌ ديني عميق، حتى اتفق له مرارًا، من بعد خروجه من المستشفى، أن يتوارى عن رفاقه في اللعب ليذهب ويصلِّي وحده في كنيسة الدسكرة.

في غضون ذلك، لم يكن شأن نظام الفصل غير الإمعان في تمزيق روح جنوب أفريقيا. ففي العام 1948، فاز "الحزب الوطني" بالانتخابات العامة، مع وعد لناخبيه – وجميعهم من البيض – بترسيخ الفصل. وبذا فإن الفصل العنصري الذي كان معمولاً به من قبلُ أضحى في منزلة القانون.

كذا فقد وجد دزموند توتو نفسه مباشرةً في مواجهة تبعات الفصل العنصري لحظة دخوله الحياة المهنية: كان يريد أن يدرس الطب، لكنه اضطر إلى العدول عن هذا المشروع بسبب فقر ذات اليد. وفي العام 1955، اقترن بليئة نوماليزو وباشر وظيفة معلِّم في مدرسة ثانوية، وهي وظيفة كانت تستهويه. لقد كان في نظر تلاميذه، كما وفي نظر زملائه، شخصًا "خارقًا"؛ غير أنه ما عتم أن تخلَّى عن ممارسة هذه المهنة حين وضعت الحكومةُ نظامًا تربويًّا أدنى درجةً للسود، لكي ينصرف إذ ذاك بكلِّيته إلى الكنيسة الأنغليكانية.

في العام 1962، بُعيد سيامته قسِّيسًا، غادر دزموند توتو بلاده للمرة الأولى وذهب للدراسة في جامعة لندن، حيث سرعان ما التحقت به زوجته وأسرته. كانت تلك فترة هناء للأسرة. قد لا تكون إنكلترا البلد النموذج في المساواة العِرقية، لكن ما أبعدها عن واقع الحال في جنوب أفريقيا! فللمرة الأولى في حياتهم، استطاع آل توتو أن يتنقلوا في حرية دون أن يضطروا إلى طلب تصريح أو إبراز جواز مرور. وقد أذهلهم تمامًا أن يتفرجوا على أزواج وزوجات من عروق مختلطة يتنزهون معًا على الملأ متشابكي الأيدي.

مكثت الأسرة أربع سنوات في إنكلترا، حتى نال توتو درجة الماجستير في اللاهوت. لكنهم ما إن عادوا إلى جنوب أفريقيا حتى بدا لهم التضاد صارخًا أكثر بكثير. وقد كتب توتو أيام ذاك: "ليس من شيمي أن أظهر ميلودراميًّا، لكنني منذ عودتي، يصعب عليَّ كثيرًا أن أضطر إلى طلب التصريح بالذهاب لزيارة عائلتي من موظَّفين بيض!"

بدأ وعي اجتماعي وسياسي ينمو في داخله، وهو وعيٌ أصبح مع الوقت قوةً لا تتزعزع، متجذِّرةً في عمق معتقداته الدينية. شرع دزموند توتو يتكلم صراحةً على "لاهوت التحرير"[2] ويدعو أرباب الشعائر الدينية إلى "الوقوف في وجه القمع والظلم والفساد والشر، حيثما وُجِدَت. قد يشبه ذلك دعوةً إلى الاستشهاد، ولكن إن كان الله معنا فمَن علينا[3]؟" ففي نظره، لم يعد هناك تفريق ممكن بين الروحي والسياسي؛ وبذا أكد أن السياسة والدين أشبه بـ"رداء غير مخيط" وأنه لا بدَّ من تطبيق المقاومة اللاعنفية: "إن كانت القوانين تتعارض مع الإنجيل، فليس من حقِّ المسيحيين أن يناضلوا سلميًّا في سبيل إلغائها وحسب، بل ومن واجبهم أيضًا." وبذلك ما انفك توتو، في خطاباته ومن خلال أعمال عصيان مدني، يلفت أنظار الجماهير المقموعة والسلطات البيضاء إلى "الشر الملازم لطبيعة الفصل العنصري".

ولقد تعرَّض توتو للخطر في بعض الأحيان، حتى بين أبناء جلدته أنفسهم. فإبان جنازة أربعة شبان، انقضَّت مجموعةٌ غاضبةٌ على شخص أسود بين الحاضرين بتهمة التجسس. أما توتو فقد تمكَّن، منتهزًا فرصة إلهاء أسقفين آخرين للجمهور، من جرِّ الرجل المدمَّى إلى سيارة. وإبان مراسم دفن آخر، ألقى توتو بنفسه فوق جسم شرطيٍّ أسود لكي يحميه من الجماهير التي كانت ترجمه بالحجارة. ثم انتظر أن يهدأ الجمهور كي يعاود صعود المنبر وهو مضرَّج بالدم؛ ولكن الجمهور، على نحو مأساوي، انتهى إلى قتل ذلك الشرطي. وقد صارت العلاقات بين توتو وبين السلطات أكثر فأكثر صعوبة. إذ اتُّخذت تدابير أمنية في حقِّه، وسُحِبَتْ منه أوراقُه وبات عرضة لمضايقات متعمَّدة، شأنه في ذلك شأن منظَّماته وأصدقائه وأحيانًا أسرته حتى.

ولكن ما بهذه السهولة يمكن إسكات دزموند توتو! إذ إن للكنيسة سلطات، وتوتو مازال يرتقي صعودًا في تراتبيَّتها. ففي العام 1975، أصبح أول عميد أسود للكنيسة الأنغليكانية في جنوب أفريقيا. وبعد أن عُيِّن أسقفًا لليسوتو في العام 1976، عاد إلى جنوب أفريقيا في العام 1978 متبوئًا منصب أمين السر العام لمجلس كنائس جنوب أفريقيا. حينئذٍ بدأ يستشعر مبلغ قوة الرؤيا النبوية. ففي أثناء محاضرات ألقاها في جنوب أفريقيا وفي الخارج، نادى بوقف كلِّ استثمار في جنوب أفريقيا، ودعا جمهور البيض إلى "الاستيقاظ والنهوض من سبات الوفرة وبلادتها". كان موقفه واضحًا: لا يمكن للبيض أن يكونوا أحرارًا يومًا مادام السود غير أحرار أيضًا. أما في خصوص السود فإن صرخة استنهاضهم كانت: "لا شيء ممَّا تفعلونه غير ذي شأن. كل إنسان فهو مهم في حدِّ ذاته."

كان دزموند توتو يقضي في نيويورك مدة ثلاثة أشهر، في إطار برنامج جامعي، حين تناهى إليه، في 15 تشرين الأول 1984، أنه مُنِحَ لتوِّه جائزة نوبل للسلام، فعاد من فوره إلى بلاده ليقتسم جائزته مع مواطنيه. وهكذا خاطب توتو مئات الناس الطافحين فرحًا والرافضين أن يتفرَّقوا مهلِّلين له: "هذه الجائزة لكُنَّ، أيتها الأمهات، أنتن اللواتي تقضين أيامكن جالسات قرب محطات القطار، محاولات كسب قوت يومكنَّ ببيعكنَّ البطاطا والميالي وقوائم الخنازير. هذه الجائزة لكم، أيها الآباء، أنتم الذين تمكثون في الفنادق المخصصة للعزَّاب، بعيدين عن أبنائكم أحد عشر شهرًا في السنة. هذه جائزتكن، أيتها الأمهات، أنتن اللواتي يعشن في الأكواخ الحقيرة، المدمَّرة كلَّ يوم دونما شفقة، أنتنَّ اللواتي عليكنَّ الجلوس على الفرْشات المبتلة بأمطار الشتاء، حاملات في أحضانكن أطفالاً يبكون، وجريمتكن الوحيدة في هذا البلد هي مشيئتكن أن تعشن مع أزواجكن. هذه جائزتك، أيتها الملايين الثلاثة ونصف المليون من الكائنات المقتلَعة من جذورها التي تُرمى وكأنها والقمامة سيان. إن العالم يقول إننا نعترف بكم، إننا نعترف بأنَّكم تحبون السلام."

وفي الوقت الذي كان العالم فيه يبتهج من أجل الشعب المقموع في جنوب أفريقيا، كانت السلطات البيضاء في البلد ووسائل إعلامه تتجاهل الجائزة وتحاول أن تطعن في نصر توتو.

بُعيد تلقِّيه جائزة نوبل، أصبح دزموند توتو أسقف جوهانسبرغ، وهو المقام الثاني في تراتبية كنيسة جنوب أفريقيا الأنغليكانية، ثم رئيس أساقفة مدينة الكاپ، المقام الأول في الكنيسة. ولقد خوِّلتْه منزلتُه العالمية، والتزامُه الذي لا يكل في سبيل العدالة، وحماستُه ومواهبُه كخطيب، أن يقارَن مع مارتن لوثر كنغ. وهكذا فقد اتفق أن قيل في توتو إنَّه كان يستطيع، على غرار كنغ، أن "ينحت حجرًا من أمل في جبل من اليأس". ولكن فيما يتعدَّى التشابهات الشخصية، لم يفتْ توتو أبدًا أن يلفت النظر إلى فارق كبير بين النضال في سبيل الحريات المدنية للسود الأمريكيين وبين نظيره النضال في جنوب أفريقيا: ففي الولايات المتحدة، حارب السود من أجل أن يُعترَف لهم بحقوق يضمنها لهم الدستورُ الأمريكي أصلاً؛ أما في جنوب أفريقيا، فإن القانون نفسه جائر عليهم.

يقوم توتو لكفاحه بفطنة ودعابة نادرتين. إنه – وهو الولوع بالفكاهة – يذكر الله أحيانًا بوصفه مثبط الهمَّة، شاكيًا إضاعته نسختَه عن الخطَّة الإلهية! أما عن المرسَلين فيقول: "كنَّا أصحاب البلاد وكانوا أصحاب الكتاب المقدس. والحال، فقد أمرونا أن نصلِّي، فأغمضنا أعيننا. وحين فتحناها من جديد وجدناهم أصحاب الأرض ووجدنانا أصحاب الكتاب. ولكن، في آخر المطاف، لعلَّنا نحن حصلنا على النصيب الأفضل من الصفقة!"

إلهُ توتو إلهٌ شخصي منحاز إلى العدالة: إنه يسمع ويرى ويفعل ويقدِّر على الخلائق والأشياء كلِّها كلَّ ما يصيبها. وفي إيمانه ثمة متَّسع حتى لحكمة موسومة بسخرية لا أوهام فيها، كما في قوله مثلاً: "كل شيء سيجري على ما يُرام، وكل شيء سيتم في كلِّ الأحوال على أفضل وجه ممكن[4]. وإلا فإن الأمر كلَّه لن يعدو أن يكون دعابة كونية، مهزلة غير مستساغة على الإطلاق."

كاثرين إنغرام

كنت أعرف أن رئيس الأساقفة توتو كان مزمعًا أن يجيء لتمضية يومين في واشنطن في أيار 1989 في صحبة بِيرز نوديه وآلان بويساك وأن برنامجهم كان حافلاً جدًّا، من بين ما يتضمَّنه مقابلة مع الرئيس بوش [الأب]. كنت منذ سنة أسعى في مقابلة رئيس الأساقفة، ولكن جدول أعماله عُدِّل في آخر لحظة وأُلغِيَ موعدُنا. كنت ما أزال جالسةً في مطعم الفندق الذي نزل فيه توتو، أسائل نفسي، وأنا خائبةً جدًّا، كيف أستطيع لقاءه، حين رأيته يمر فجأة. كان وحده ويرتدي ثيابًا مدنية. ومع أن المطعم كان شبه خالٍ، فقد أجلسه رئيسُ الخدم إلى مائدة محاذية لمائدتي. قدَّمت له نفسي، شارحةً له جهودي سعيًا في مقابلته. فوافق على محادثتي على الفور، قائلاً لي إن عليه على كلِّ حال أن ينتظر ابنته، التي وصلت للمناسبة في اللحظة التي بدأنا فيها حوارنا. تكلَّمنا عشرين دقيقة أو نحو ذاك. وحين استأذنتُه للانصراف، شاكرةً إياه مرة أخرى على كرمه في هذه الظروف غير العادية، أجابني بضحكة طلقة: "يا عزيزتي، كيف كان لي أن أرفض طلبك؟! لقد كان الأمر مقدَّرًا هكذا."

كاثرين إنغرام

* * *

 

مقابلة رئيس الأساقفة دِزْمونْد توتو

واشنطن العاصمة، 18 أيار 1989

 

كاثرين إنغرام: أتخيل أنك تستشعر وجود رابط قويٍّ جدًّا مع المهاتما غاندي – ذلك أنه في جنوب أفريقيا إنما بدأ جهادَه ضدَّ الظلم. فهل ثمة أوجُه من حياتك تبدو لك مرتبطةً بحياته؟

دزموند توتو: أشعر بحرج شديد حين أقارَن بأناس في مثل أهمية غاندي. صحيح أننا جميعًا تقريبًا، في جنوب أفريقيا، استلهمنا شخصيته وأعماله، سواء في بلادنا أو في الهند، لكنني لا أرقى إلى مقام غاندي!

كاثرين: هل لعب واقع أن غاندي انتصر في كفاحه في سبيل الاستقلال دورًا في التزامك اللاَّعنف؟ وإذا لم ينل سودُ جنوب أفريقيا الحريةَ سريعًا، هل تظن أن إستراتيجيات اللاَّعنف سوف تصمد؟

توتو: قطعًا لقد ألهمنا نجاحُ غاندي كثيرًا. لكنني أخمِّن أن اللاَّعنف يقتضي جميع الأطراف المعنيَّة حدًّا أدنى من الأخلاق – وذلك كان واقع الحال آنذاك. أعتقد أن غاندي نفسه قال إنه لو وُجِدَ في ألمانيا النازية، لما كان منهاجُه قد صَلُح ربما. إذا كان جهاد غاندي قد أفلح فلأن البريطانيين كانوا يحترمون نوعًا من المقتضيات الأخلاقية. لا أعرف إن كانت هذه النظرية صالحة، لكنَّها نظريتي على كلِّ حال.

وبالنظر إلى ما يجري حاليًّا في جنوب أفريقيا، إذا لم نتوصل سريعًا إلى وضع حدٍّ لعنف نظام الفصل بالاستعانة بالمجتمع الدولي، كما يتمنَّى ذلك العديدون منَّا، فإن خطر تصعيد العنف في جنوب أفريقيا محتوم، ويمكن له أن يمتدَّ كذلك إلى الدول المجاورة. لذا فإن الأمم المتحدة، حين تقول إن "نظام الفصل تهديد للسلام في العالم"، فإن هذه ليست عبارة جوفاء. إن العالم بأسره معنيٌّ بشكل ما بنظام الفصل، وإنْ بشكل غير مباشر.

كاثرين: يبدو للناظر من الخارج أن هناك اليوم قَدْرًا أقل من الوحدة في قلب الجالية السوداء – وتخطر بالبال، على سبيل المثال، محاكمة السيدة مانديلا وحارسيها الشخصيين[5]. هل تشعر بأن جدران تضامن الجالية تتصدع شيئًا فشيئًا؟

توتو: لا، فثمة مستوًى مرموق من الإجماع والوفاق. هاكِ منظمة مثل "الجبهة الديموقراطية المتحدة" UDF، حيث درجة الإجماع فيها لا يُستهان بها. إن التجمعات السياسية في العالم جميعًا هي في الواقع عبارة عن تحالفات. هنا، على سبيل المثال، يقول "الحزب الديموقراطي" إن له جناحًا محافظًا، وكذلك جناحًا يساريًّا راديكاليًّا أيضًا؛ والأمر يصح كذلك على الجمهوريين. إنما الزعيم هو ذاك القادر على لمِّ شمل هذه الميول المتعارضة في قلب فريق واحد.

بكلِّ تأكيد، حزنَّا وتأثَّرنا كثيرًا من جراء الأفعال المنسوبة إلى السيدة مانديلا، لكن الأكثر لفتًا للنظر في هذا كلِّه – وقد قلت ذلك مرارًا – هو أن وقوع الأمر قد استغرق وقتًا بهذا الطول، وليس مجرَّد وقوعه، خصوصًا إنْ أخذنا في الحسبان الضغط الذي يمارسه النظام. بيد أنِّي لا أحاول تحجيم خطورة ما حدث حين أدعو الناس إلى تذكُّر أن السيدة مانديلا كانت رمزًا حقيقيًّا – ولا ننسينَّ أنها كانت فتيةً جدًّا حين اقترنت بزوجها وأنها طوال 25 عامًا اضطرت إلى تربية أولادها بمفردها؛ وهي ليست وحدها التي اضطرت إلى ذلك. بعضهم يتحلَّى بالطاقة الضرورية لمواجهة هذا النوع من الضغوط – وأعني الطاقة الداخلية –، ولعلَّه يَجمُل بنا اليوم أن نتساءل عن كيفية الإسهام في ردِّ الاعتبار لها. هذا هو رأيي على كلِّ حال.

فيما يخص التباينات في وجهات النظر في قلب الحركة المناهضة للفصل في جنوب أفريقيا، من الطبيعي أن تكون للناس رؤًى وإستراتيجياتٌ مختلفة. لذا يفاجئني التوافق الذي ساد في أعمالنا. أوتدرين، حين ننظر إلى ما يجري في أولستر، على سبيل المثال، نلحظ أن المتَّهمين بخيانة القضية لا يعامَلون بأيِّ مراعاة[6]. إن عنف السود ضد السود المزعوم في جنوب أفريقيا ليس ظاهرة نختص بها[7]. ويجب ألا يغيب عن نظرنا أن العلَّة الأولى في هذا كلِّه هي نظام الفصل العنصري؛ ومادمنا لم نجتث الأصل والعلَّة، ستواجهنا على الدوام أعراضُ داء فادح جدًّا وعواقبُه.

كاثرين: قرأت أنك تصلِّي كلَّ يوم من أجل پيك بوتا[8] وأنصاره. أين تجد القوة للصفح عن أولئك الذين يُعتبَرون قامعي السود في جنوب أفريقيا؟

توتو: طيب، إنك لا تستطيعين أن تصلِّي من أجل أحدهم إن لم تكوني مستعدةً لأن تتمني له أن تنصلح أمورُه – وإلا فإن هذا سيضرُّ بصلواتك ويوجِد نزاعات في داخلك. إنها ليست مسألة إنجاز شخصيٍّ، وهي مرتبطة بدينامية الصلاة. فأنتِ حين تصلِّين إلى الله تكونين في مقام الصَّلاة، وتعلمين أن الله لا يغفر لك إلا إذا كنتِ مستعدةً للصفح عن الآخرين. ليس الأمر بهذه السهولة – وأعني أن ثمة ما يستوجب الغضب هنا، خصوصًا حين ترين أن نظام الفصل لا يؤذيك وحسب، بل ويؤذي أسرتكِ أيضًا.

دونك، لقد وجدتْ زوجتي نفسها مؤخرًا مكبلةً بالأصفاد، مُهانةً، – وهذا النوع من المواقف هو الذي من شأنه أن يصيبنا جميعًا. وحين تبيَّن لهم أنها زوجتي... طيب، كان المتوقع تقديم اعتذار على الأقل أو بذل جهود للتعويض عن الإساءة، لكن هذا لم يحدث. إن هذا ليجرحك، وهذا هو بالضبط ما يبتغونه. إن مثل هذه الأمور هي ما يُغضِبك.

كاثرين: يمكن للمرء أن يتخيل ما كان يمكن أن يحدث لها لو لم تكن السيدة توتو...

توتو: هذا صحيح. وأنت تعرفين أن مثل هذه الأشياء يحصل في كلِّ لحظة.

أنتمي إلى جماعة تصلِّي من أجل الآخرين. وفيما يخصني، ما كان ليقيَّض لي أن أعيش من دون شفاعة الآخرين. لذا فإن قواي ليست شخصية فقط، لأن الله والآخرين يساهمون في جزء كبير في الشخص الذي هو "أنا". ليس في الأمر مفخرة من أيِّ نوع، وليست المسألة مسألة إنجاز شخصي. واقع الأمر أنني تأثَّرت بالعديد من الأشخاص، وتبيَّن لي أيضًا أنني ما كنت لأستطيع البقاء حيًّا من دون الصلاة. ففي نهاية الأمر، الله مسئول عن هذا العالم!

كاثرين: ما هي العِبرة الذي يقدِّمها لنا جنوب أفريقيا برأيك؟

توتو: أعتقد أنهما عِبرتان اثنتان على الأقل. العِبرة الأولى هي أن الطرق التي تنتهجها حكومة جنوب أفريقيا لا تتيح حلَّ المشكلات. إنهم يكتفون باللجوء إلى القوة ويرفضون قبول إمكان الجلوس سوية إلى طاولة المفاوضات. إن في تجربة روديسيا، التي صارت زمبابوي، خير برهان على ذلك[9]. لقد كان في إمكانهم التوصل إلى النتيجة نفسها من دون تكبد فجيعة عدة مئات من القتلى، ومن دون التوترات والعداوات التي شكَّلت جزءًا من الضريبة الباهظة التي وَجَبَ دفعُها من أجل تحرير زمبابوي. كان علينا، نحن في جنوب أفريقيا، أن نستخلص العِبرة من ذلك. ولكن ألا يقول المتهكِّمون إن التاريخ يعلِّمنا ما لا نتعلَّمه من التاريخ؟!

الوجه الآخر للأمور هو أن جنوب أفريقيا سيُثبت، رغمًا عن جهود الحكومة، أن جاليات من أصول ثقافية وعرقية وإثنية ودينية مختلفة إلى حدِّ لا يصدَّق تستطيع أن تجد لحمة تجمع فيما بينها.

كاثرين: هل تعتقد أن البيض والسود سيستطيعون العيش في سعادة معًا إذا حصل السود على حريتهم؟

توتو: إنها الحال الآن في زمبابوي، حتى إذا كان الفوز بالاستقلال قد كلَّف ثمنًا فادحًا. حين استقلَّ زمبابوي، فزع البيض وجاءوا للاستقرار في جنوب أفريقيا. لكنهم الآن يعودون فرادى وجماعات إلى زمبابوي كي لا يضطروا إلى مكابدة ذلك من جديد. وفي زمبابوي، تبيَّن لهم أن القليل من الأشياء قد تغيَّر حقًّا. إن البشر يتأقلمون مع مختلف أنواع المواقف. قد يكون بينهم – ولعلهم على الأغلب من قدامى المتطرِّفين المغالين في عنصريتهم – مَن يقولون اليوم: "لقد مات أولادنا جزافًا لأننا خُدِعْنا حين طُلِبَ منَّا أن نقاتل ضد وضع لم يكن غير پروپاغاندا إعلامية تسيطر عليها الدولة." والأمر نفسه ينطبق على جنوب أفريقيا. إن إدراك البيض في جنوب أفريقيا يشوِّهه غالبًا نظامٌ شريرٌ وكاذبٌ فعلاً، وما يظنون في بعض الشخصيات هو في الغالب مناقض للحقيقة.

كاثرين: نيافة الأسقف، نحن نعيش في عالم يائس، تهدِّده تهديدًا خطيرًا المشكلاتُ البيئية والعنف والانفجار السكاني ونضوب موارد الكوكب إلخ. وأنت تتكلَّم كثيرًا على الأمل. أي رجاء عندك تقدِّمه لنا؟

توتو: إن وجود البشر هو، في حدِّ ذاته، علامةٌ رائعة! وهكذا حين تُزلزَل الأرض في أرمينيا، يُنسى جميع الاختلافات، سواء كانت إيديولوجية أو سياسية أو دينية أو غيرها، لأن الناس يجتمعون على الرحمة وعلى الرغبة في أن يكونوا نافعين. وحين وقعت مأساة إثيوبيا، قامت حفلاتٌ موسيقية كي تذكِّر الناس بـWe are the world ["نحن العالم"]. أكاد أسمعك تقولين لي إنه لمن المؤسف أن نضطر إلى الوصول إلى هذا الحد كي نعي إنسانيتنا ونعي ضرورة أن نصبح أكثر إنسانية أيضًا؛ لكن الأمر لا يجري دومًا هكذا.

حين ترين شبانًا وشابات يكرسون أنفسهم للعمل من أجل السلام في العالم، وحين، كما رأينا مؤخرًا في إنكلترا، ينظِّم الشباب مسيرة من اسكتلندا إلى لندن احتفاءً بميلاد نيلسون مانديلا، وحين ينطلق شباب من أوساط ميسورة للعمل في أطراف العالم كمتطوعين في "كتائب السلام" Peace Corps، وحين ترين، كما في جنوب أفريقيا، شبابًا من البيض يرفضون الخدمة في قوات الدفاع الجنوب أفريقية، وهم على بيِّنة تامة من عواقب هذا الرفض – كهذا الشاب ذي الثمانية عشر ربيعًا الذي حُكِمَ عليه بالسجن ست سنوات لعدم خضوعه للخدمة العسكرية –، فلسوف تستعيدين هدوء روعك وتقولين: "أجل، ربما كان الله ينظر حقًّا إلى العالم ويرى المحارق والإبادات الجماعية وسائر العذابات الهائلة التي تُرتكَب كلَّ يوم." وستستطيعين تخيل ما يجول بباله: "لا أعرف ما الذي حدا بي إلى خلق هذا كلَّه!" ولكن الله، إذ ينظر عن كثب أكثر، فإنه سيرى أيضًا الرحمة كلَّها، التضحيات كلَّها، والأشياء الرائعة كلَّها التي يمكن للناس أن يقوموا بها من أجل مساعدة الآخرين. – إذ ذاك سيفرك الله يديه فرحًا ورضًا وهو يقول: "أليسوا جديرين بالعبادة، عبادي هؤلاء؟! أليسوا تبريرًا لما صنعتُ حين غامرتُ بخَلقِهم؟!"

* * *

جزمًا لقد خدم جهادُ دزموند توتو السلمي ضد نظام الفصل قضيةَ نيلسون مانديلا الذي حكمت عليه حكومةُ البووِر[10]، في العام 1964، بالسجن المؤبد بتهمة "التحريض على الكفاح المسلَّح"، والذي عيَّنه في العام نفسه رئيسًا فخريًّا لـ"المؤتمر الوطني الأفريقي" أعضاءُ أقدم أحزاب المعارَضة الجنوب أفريقية الذي كان غاندي نفسه قد أيَّده.

أُطلِقَ سراحُ نيلسون مانديلا في شباط 1990، وانتُخِبَ شرعًا رئيسًا لجمهورية جنوب أفريقيا في أيار 1994. بيد أنه اضطر إلى الانفصال عن زوجته ويني، التي اعتُقِلَت بتهمة الخطف والضرب والجرح في 14 أيار 1991، ثم أُطلِقَ سراحُها في العام 1993، والتي تحاكَم اليوم بتهمة القتل، الأمر الذي لم يَحُلْ دونها واحتلال مكانة متميزة في قلوب المواطنين، وخصوصًا المواطنات. أما نيلسون مانديلا فهو يتابع من جهته تنمية بلاده التي يُجمِع المجتمعُ الدولي على الاعتراف بأن نظام الفصل قد اختفى فيها على الأقل من نصوص القوانين ومن أسلوب الحياة اليومية، وإنْ لم يكن قد اختفى تمامًا من نمط التفكير. ولقد عزف مانديلا عن رئاسة "المؤتمر الوطني الأفريقي" في العام 1997.

دزموند توتو ونيلسون مانديلا في عناق أخوي:
رفيقان على درب الجهاد السلمي العالمي.

[أما رئيس الأساقفة توتو، فلا يزال مجاهدًا لاعنفيًّا، لا على صعيد جنوب أفريقيا وحسب، بل وعلى صعيد العالم قاطبة. ففي الوقت الذي يواصل فيه أسقفنا العمل على مكافحة تفاقم العنف والفصل العرقي وتفشِّي الفساد والجريمة في بلاده، يتابع انتقاداته لكلِّ مظاهر العنف في العالم: فهو، على سبيل المثال، يعارض استمرار الحرب في العراق وأفغانستان، ويدين نظام نقاط التفتيش والمعابر في فلسطين، ويدعو المستثمرين العالميين إلى مقاطعة الاستثمار في إسرائيل، ويوجِّه السؤال إلى وسائل الإعلام العالمية عن السبب الذي يجعلها تستعمل مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، في حين لا تستعمل مصطلح "الإرهاب المسيحي" حين يتعلق الأمر بأيرلندا مثلاً، الأمر الذي يوحي بارتباط غير حقيقيٍّ بين الإسلام والإرهاب. (المترجم)]

*** *** ***

ترجمة: أديب الخوري


 

horizontal rule

[1] حي معزول على غرار أحياء اليهود في العصور الوسطى. (المدقق)

[2] فكر لاهوتي معاصر، ملتزم القضايا الاجتماعية وقضايا المظلومين، وضعَه وبَلْوَره بعض أساقفة أمريكا اللاتينية المعارضين لاستبداد الحكام الطغاة. (المدقق)

[3] العبارة للقديس بولس من بعض رسائله. (المترجم)

[4] ألا يشبه قولُه هذا قولَ سقراط الحكيم إن الإله يقدِّر في كلِّ آنٍ أفضل شيء لكلِّ إنسان؟! (المدقق)

[5] ويني مانديلا هي زوجة نيلسون مانديلا، زعيم "المؤتمر الوطني الأفريقي" ANC، الذي أمضى سنوات طويلة من عمره في السجن أيام كان المؤتمر – وهو أقدم حركة مناهضة لنظام الفصل – محظورًا. وبعد تجريم السيدة مانديلا وحارسيها الشخصيين (وهما للمناسبة عضوان في فريق كرة قدم مانديلا) في إطار تحقيق في قضايا ثلاثة اغتيالات وضرب مبرِّح لشبان سود جنوب أفريقيين، دعت أكبر منظمتين معارِضتين للحكومة في جنوب أفريقيا الجاليةَ السوداء إلى مقاطعة ويني مانديلا.

[6] "الأولستر" جالية معروفة بالمواجهات العنيفة التي يتواجه فيها في انتظام كاثوليكيون مناصرون لأيرلندا وپروتستانت مؤيِّدون لبريطانيا. ولقد تم اغتيال العديد من "الخونة" هناك منذ بدء النزاع.

[7] مثال على ذلك اليوم التناحر بين فرقاء الشعب الفلسطيني. (المدقق)

[8] هو لقب پيتر ڤيلم بوتا Pieter Willem Botha، الذي تولَّى رئاسة وزراء جنوب أفريقيا منذ العام 1978، ثم انتُخِبَ رئيسًا للجمهورية في العام 1984. (المدقق)

[9] بعد حرب أهلية دامت سبع سنوات وأزهقت 30000 نفسًا، توصلت روديسيا في العام 1980 – وكان تحكمها حتى ذلك الوقت أقلِّية بيضاء يرأسها إيان سميث – إلى استقلالها لتصبح زمبابوي.

[10] بووِر Boer كلمة تعني بالهولندية "فلاح"، وتشير إلى مستوطِني جنوب أفريقيا من أصول هولندية. (المدقق)

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود