english Arabic

ثقل التفكير

 

مبارك عوض

 

نشهد في الشرق الأوسط ظاهرة لا تتكرر إلا مرة كل نصف قرن أو كل قرن – حين ينتفض أناس من مختلف الأعمار، والديانات، والهويات السياسية، من أجل الحرِّية والعدالة، وهم من أجلِ ذلك مستعدين للتضحية بأنفسهم، وبمهنهم، وبعملهم، وتقاعدهم، بطريقة غير عنفية في سبيل قضية الحرِّية والعدالة. إنه الحلم يتحول إلى حقيقة، وخاصة بالنسبة لمن كان منا يناضل من أجل اللاعنف منذ سنوات طويلة. لأنه عندما تصدم الشرارة ضمير الناس، فإن هذه الشرارة سرعان ما تتحوَّل إلى قصبة مضيئة، ثم تصبح نارًا ومن ثم تتحوَّل حتمًا إلى نجمة تدل كل واحد إلى الهدف. في تلك اللحظة، يشعر الآلاف والآلاف من الناس أنهم متحدون مع سواهم من دون أيِّ تردد أو تحفظات تتعلق بما يفكرون به أو باستراتيجياتهم. فتصبح أهدافهم وتطلعاتهم واحدة، من خلال رغبتهم بمستقبل أفضل. حيث يريدون إسقاط أكثر الطواغيت تجبُّرًا، أولئك الذين اضطهدوهم لسنوات طويلة جدًّا، ويملكون سلطة الزجِّ بهم في السجون، وحرمانهم من حقوقهم، وتعذيبهم، وحتى قتلهم ومحو أي أثر لهم. لكن هؤلاء الناس، الذين يؤمنون بأن لهم الحق بالحرِّية، كأي أشخاص آخرين في أي بلد من بلدان العالم، لا يعبأون بتلك المخاطر. فهم في مثل تلك اللحظات ينسون حتى أنهم عرب أو مسلمون أو مسيحيون، أو سنَّة أو شيعة، ويتماهون مع تلك الفكرة التي تقول بأن كلَّ واحد بحاجة إلى الحرِّية. لذلك، ليس بوسعنا إلا أن نهنىء كلَّ شخص يتظاهر، ويحتج، ويشارك في تلك الانتفاضة التي تعمُّ العالم العربي. وما هذه إلا البداية. لأنها كي تكون حرَّة في النهاية، فإن جميع البلدان العربية بحاجة لأن تتماهى مع مصر وتونس. لأنه يفترض بأن تكون لأي انتفاضةٍ لاعنفية استراتيجية مشتركة، وهذه في العالم العربي، يمكن أن تكون ذاتها تلك التي أثبتت فعاليتها في الهند، والفيليبين، وكوسوڤو، وبعض مناطق أمريكا الجنوبية.

كما أن هذه النماذج اللاعنفية تؤكد على مبادىء أساسية يجب اتباعها. وهذه المبادىء تؤكد:

-       أولاً: الهدف الرئيس للاعنف يؤكد على رفض القتل، كما أنه يرفض الحكم بالإعدام على أي شخص، كائنًا من كان.

-       ثانيًا: ينطبق التضامن اللاعنفي على كلِّ الانتهاكات لحقوق الإنسان. لأن انتهاك حقوق فرد واحدٍ يعني انتهاك الحقوق الإنسانية للناس أجمعين. لذا يجب على الحركات اللاعنفية أن تتصرف بشكل صحيح، وأن تُعلِم من يخرق هذه الحقوق، وجميع الآخرين محليًا ودوليًا، بأن حقوق هذه المجموعة قد انتهكت.

-       ثالثًا: يؤمن جميع المناضلين اللاعنفيين بالعدالة الاجتماعية، وبالتالي هم يتعاملون مع الجماعات المحرومة التي لا تملك أية قوة أو تمثيل.

-       رابعًا: يمكن أن تكون بعض الجماعات اللاعنفية روحانيةً في التعبير عن طرائقها وأهدافها، كما يمكن لجماعات أخرى أن تستخدم اللاعنف كطريقة في العمل، من منطلق أنها طريقة أكثر فعالية من الطرق العنفية.

-       خامسًا: تحتاج الحركات اللاعنفية إلى استراتيجية، وإلى تنظيمات، وإلى جماهير من الناس الذين يحققون ذلك التغيير الذي يمكن أن يؤمن به الآخرون. حيث يجب على هؤلاء الناس أن يتحملوا الألم بأنفسهم من دون أن يتسببوا بأي ألم للآخرين، وربما حتى أن يموتوا من أجل ما يؤمنون به من دون أن استعمال أي سلاح.

-       سادسًا: يمكن أن يستخدم اللاعنف من قبل أشخاص من كلِّ الأعمار، حيث بوسع الناس أن يستخدموه كخيار شخصي، وليس بناءً على طلبٍ من أية مرجعية أو سلطة.

-       سابعًا: ليس من الضروري أن يكون للاعنف قائد محدد وفعَّال من أجل إحداث التغيير، رغم أنه كان هناك عبر التاريخ أحيانًا، قادة جسَّدوا هدفًا معينًا أو قضية معينة.

كما أنه لا يجب إيقاف النضال بمجرد أن تم تغيير نظام أو إسقاط طاغية. حيث علينا أن نجد طريقة تمكِّن المواطنين الأفراد من المشاركة في الحكومة بحيث تعمل كما نريدها أن تعمل. ما يعني أن علينا الاستمرار في التضحية وفي العمل في داخل الحكومات من خلال تحمُّل مسؤولية أي مركز تم الوصول إليه بطريقة ديموقراطية؛ بدءًا من مسؤولية إدارة مدرسة، مرورًا بمسؤولية إدارة منظمة غير حكومية وصولاً إلى مسؤولية وزارية. وهذا الأمر بحدِّ ذاته يوسِّع نطاق حلمنا – حيث يتحول إلى حلم يتجاوز الشرعية التي خلَّفها الاستعمار في الوطن العربي ويخلق عالمًا عربيًا متحدًا مع شعبه. الأمر الذي يبعدنا عن أوهامنا الدينية والإثنية المسبقة وعن التمييز المطبَّق بحق الأقليات الدينية.

نحن في حاجة الآن إلى صوتٍ، وإلى صوتٍ حكيم. نحن نحتاج إليه في التربية، وفي الاقتصاد، وفي الأعمال، وفي السياسة، كما نحن في حاجةً إليه على الصعيد الدولي. لذلك علينا التمعن في قلب المجتمع العربي لنكتشف الناس الذين ما زالوا محرومين من حقوقهم السياسية؛ من هم تحت الاحتلال وما زالوا محرومين من العدالة ومن المساواة. لأننا إن احتفظنا بهذه الأفكار كالحلم في عقولنا فإن الفرد البحراني سيصبح، على سبيل المثال، كالتونسي، بمعنى أن سيكون لكلاهما، في الوطن العربي، نفس الدافع؛ ألا وهو الحرِّية من أجل الجميع. إن فعل هذا، وتحمَّل مسؤوليته، سيضعنا في مقعد القيادة على الصعيد الدولي كما في محكمة العدل، وخاصة فيما يتعلَّق بالتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي. فبمجرد أن نلتزم باللاعنف – الذي يعني عدم القتل وعدم تدمير الممتلكات – فإننا نصبح ملزمين بتحمُّل قدرٍ من المسؤولية يمكِّننا من الحوار والتواصل من أجل حلِّ أيِّ خلاف مع أية مجموعةٍ، من دون استخدام أيِّ سلاح. وهكذا، لا نعود في حاجةٍ إلى جيشٍ لحماية أنفسنا، فكلُّ ما نحتاج إليه هو مجموعةٌ من الناس تستطيع أن تقيم السلام مع كلِّ أمم الأرض، وتكون حدودها مفتوحة للجميع، وحيث لا يقتل أحد من أجل قطعةٍ من الأرض. كما أن النفط الذي تحت أقدامنا، لن يعود ملكًا لعائلة أو لمجموعة، إنما يصبح ملكًا لكلِّ العرب في منطقة الشرق الأوسط. كما لن يعود هناك أي مبرر أو استثناء لهذا الكمِّ الهائل من الأموال التي يتمُّ إخفاؤها وسيصبح استخدامها لصالح العالم العربي.

يجب أن تكون استراتيجيتنا واحدة. كما يجب أن نكون منفتحين على جميع البلدان. وأن نعامل الآخرين كما نريد أن يعاملوننا. وسيأتي وقت يأخذنا العالم فيه على محمل الجد، وفي نفس الوقت، سيدخل العالم العربي كتب التاريخ إلى جانب أولئك الذين تحرروا قبلهم من التهديدات والتحقوا بالمجتمع الدولي كبشر متساويين. علينا ألا نخاف من الحرِّية، وعلينا ألا نخاف من العدل، كما علينا ألا نخاف من سلطة الناس الذين يجلبون الحرِّية والعدل للجميع. فهذه القوة هي التي أسقطت الديكتاتوريين والأنظمة. لأنه بوسعنا أن نبني على هذا الأمر، وأن نستخدمه من أجل إلهام الجميع لتحقيق النمو الاقتصادي والروحي، ومن دون أن نحرم أحد من حرِّيته أو من أفكاره الدينية. إن لحظة الفخار وهذه الرسالة هي لجميع الذين يتظاهرون اليوم في الشوارع، ويقودون الشوارع، ويملأون الشوارع، ويفخر بهم كلُّ العالم العربي. إنهم أولئك الناس الذين أثبتوا أنه بوسعنا أن نحقق هذا بأنفسنا، من دون أن ننتظر العالم الغربي أو المجموعات الأخرى كي تقدِّم لنا يد المعونة. فهدفنا هو الاستمرار في هذه العملية وأن نقدِّم مشاعرنا وثقافتنا العربية بطريقة لا تصدم الآخرين إنما تساهم في تطوير ثقافات البلدان الأخرى. لأنه ليس بوسعنا إلا أن نعطي المثال للآخرين في كيف يمكن أن نحكم أنفسنا وأن نكون، في الوقت نفسه، جيرانًا طيبين.

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود