|
التأثير المحتمل للنضال اللاعنفي الفلسطيني على إسرائيل:
عمري آرينز
&
إدوارد إدي كوفمان
ملاحظات تمهيدية انتشرت الثورات اللاعنفية ضد الأنظمة الديكتاتوية الحاكمة منذ أمد طويل في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كالنار في الهشيم. وفي هذا الوقت، كان الكثير من الفلسطينيين يتفكَّرون بالكيفية الأفضل لترجمة استراتيجيات مثل هذه الحركات العفوية إلى تطلعاتهم الخاصة. ومن الجلي أن هناك بعض الفروقات بين معظم الحالات التي تنحو إلى تغيير النظام بدعم هائل من شعبك وبين الحالة الخاصة لانتفاضة ضد سيطرة عسكرية ساحقة لحكومة إسرائيلية تحوز على أغلبية كبيرة مُكيَّفة لدعم قمع ثورة معادية. تحليل واقعي لردود الفعل الإسرائيلية تجاه قيادة فلسطينية ثابتة محتملة ونضال لاعنفي واسع النطاق يمكن أن يُصاغ في الغالب بتأثير ثلاثة متغيرات: 1. إقرار بالنجاح المتنامي للسبيل اللاعنفي على الصعيد الدولي؛ 2. التصورات الإسرائيلية الذاتية المستندة إلى ذاكرة جمعية عن الأضحوية والاضطهاد في التاريخ اليهودي؛ 3. مدى الفعالية الملموسة للعملين العنفي واللاعنفي على امتداد الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، خصوصًا من خلال التجارب في الانتفاضتين الأولى والثانية. وفي هذه المقالة سنناقش على عجالة الفقرتين 1 و2، لكننا سنركز بشكل رئيسي على ما تتضمنه الفقرة 3، وهو متغير مازال الفلسطينيون يحددون تأثيره. سيتم التركيز في تحليل العامل الأخير على ثلاثة عناصر أساسية. أولاً، مناقشة سريعة للتصورات والأفكار النمطية اليهودية – الإسرائيلية عن ماضي المقاومة الفلسطينية. ثانيًا، سوف نسعى، بناء على الدروس المستفادة والآراء المجمَّعة، إلى تقييم الأثر المحتمل للمقاومة اللاعنفية على السلوك الإسرائيلي الرسمي والمجتمعي. وفي القسم الختامي، ومن خلال نظرة مستقبلية، سنجري تقييمًا لإمكانية أن تخلق استراتيجية لاعنفية بيئة لحل مستدام نهائي بقيام دولة فلسطينية جنبًا إلى جنب مع دولة يهودية لإسرائيل. الوسائل والغايات متعالقة إلى حد كبير. لقد حدث اعتدال في الأهداف العربية منذ العام 1988 في المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر بإعلان الاعتراف بدولة إسرائيل بحدود ما قبل العام 1967. وتعمَّم هذا الاعتدال في المنطقة مع مبادرة السلام العربية في العام 2002. وإذا ما ترافقت مثل هذه الخطوات بنضال طويل الأمد مُشرَّع بوسائل لاعنفية، سيكون للدعم المتزايد لها على المستوى الدولي وتغايرها مع السياسة الرسمية غير المتغيرة أثرًا غير مباشر على الرأي العام الإسرائيلي وتقوية معسكر السلام في إسرائيل. هذه المقالة مبنية على بحث سابق أُجري بالمشاركة مع زملاء من معهد بحوث هاري إس. ترومان من أجل تقدم السلام (الجامعة العبرية، القدس) واللاعنف والديمقراطية في الشرق الأوسط (MEND، القدس) في الأعوام 2002 – 2004[1]. وهو يعتمد على تحليل ردود الأفعال الإسرائيلية على الانتفاضتين الأولى والثانية، بما في ذلك استطلاعات الرأي العام وتحليل ما تضمنته وسائل الإعلام وتغطية لأحداث معينة ومقابلات مع نشطاء من منظمات لاعنفية متجذرة شعبيًا ومجموعات التركيز (أكاديميون، إعلاميون، طلاب)؛ إضافة إلى التجربة الشخصية لأحد الكاتبين المنخرط بهذه القضية بشكل نشيط منذ منتصف الثمانينات. وبدعم من بحوث عملية وتجارب تشاركية، تتضمن المقالة أيضًا مراجعة لحالات أخرى من النضال اللاعنفي في أرجاء العالم. كما تتضمن الاستنتاجات ما توصلت إليه الأوراق المقدمة إلى مؤتمر بيت لحم في كانون الأول 2005 اللاعنفي الدولي، بما في ذلك مساهمة كوفمان الخاصة. آ. السياق العالمي: بالنظر إلى الصورة الكبيرة، كانت منظمة التحرير الفلسطينية PLO، شأنها شأن الكثير من الحركات الأخرى في مختلف أنحاء العالم في الستينات والسبعينات، تدعو إلى استخدام الأشكال العنفية المتطرفة، بما في ذلك قتل العزَّل من السلاح. لكن في العقود الأخيرة، وتحديدًا منذ 11 أيلول 2001، لم تؤدِّ مثل هذه الاستراتيجيات العنفية، بينما كانت تحظى بتغطية إعلامية، إلى أية انتصارات. وعلاوة على ذلك، انبثقت مقاومة لاعنفية تقوم على أساس مدني كأسلوب شعبي لمتابعة الصراع بقوة وفعالية في أرجاء العالم، في سياقات مختلفة وضد خصوم مختلفين. (ستيفان: 2006، 57) وفي مشروع بحثي منفصل (كوفمان وإيلون: 2003)، تم تحليل ما مجموعه 26 حالة من حالات النضال اللاعنفي، من ضمنها 23 حالة جدولها جين شارب في كتابه الأخير، وحالات نجاح النضال اللاعنفي في أوكرانيا وجورجيا، وإخفاق المستوطنين اليهود في إيقاف الانسحاب الإسرائيلي من غزة. وقد جرى تحليل الحالات لتقييم أي من الـ 198 أسلوب للعمل اللاعنفي التي عرضها جين شارب (2005) كانت مستعملة في كل حالة. يضاف إلى ذلك، تقييم فريق بحثنا لكل حالة حسب نتيجتها (مثلاً، نجح النضال، فشل أو غير محدد) وحسب المستوى الاجتماعي للنضال (مثلاً، محلي، محلي–وطني، وطني، وطني–دولي، دولي). وقد تم تحليل البيانات ببرامج إحصائية SPSS. وباستخدام وسيلة كمية لتحليل مقاربة شارب النوعية للصراع والنضال اللاعنفي، من أصل الحالات المحلَّلة، نجد أن 66.7% من حالات النضال اللاعنفي قد نجحت، بينما فشلت 25.9% من الحالات. وكان المستوى المجتمعي الأكثر شيوعًا هو المستوى الوطني (51.9%)، يليه المستويين المحلي–الوطني والوطني–الدولي (18.5% لكل منهما)، بينما كانت بقية حالات النضال اللاعنفي على المستوى المحلي (11.1%). وأفرزت حالات النجاح على الغالب انتقالات من أنظمة استبدادية نحو سيرورة تحول ديمقراطي، لاسيما في أمريكا اللاتينية والاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية. فيما يتعلق بصورة مباشرة بالحالة الفلسطينية تجري مقارنة حالات النجاح والفشل من أجل تقرير المصير في تيمور الشرقية والشيشان، على التوالي. ففي حين أدى استخدام العنف في الشيشان إلى نتائج سلبية في الغالب، كان للموقف الحازم لزعيم الميليشيا المقاتلة الرئيس شانانا في تيمور الشرقية بالتحول من الكفاح المسلح إلى النضال اللاعنفي أثرًا حاسمًا في حشد دعم من المجتمع الدولي ونجاح التدخل الفعال ضد الحكم الإندونيسي القمعي. [كارني: 2006]. لكن المظاهرات اللاعنفية في تونس ومصر، مؤخرًا، بيَّنت إمكانية المجتمع المدني على إحداث تغيير للنظام، حتى بدون زعيم واضح. النجاح المتزايد للنضالات اللاعنفية على المستوى العالمي لاقت صدى من قبل الكثير من منظمات المجتمع المدني غير الحكومية الإسرائيلية. لكن الخلفية العسكرية السائدة لصانعي القرار الإسرائيليين، وخصوصًا تلك المتعلقة بتصميم السياسة الأمنية، قادت إلى الرد على العنف الفلسطيني بعنف أكبر. (عندما يكون لديك مطرقة كبيرة، كل المشاكل تبدو مثل المسامير). ومع ذلك، يبدو أن هناك وعي متزايد، فرضه تقدم عالمي صوب الدمقرطة وحق تقرير المصير، بأن الوسائل العسكرية وحدها لا يمكنها فرض السلام؛ فأفضل الخيارات العسكرية التي يمكن فرضها هو فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين بجدار عازل يمكن في نهاية المطاف أن يُقوَّض من الأعلى والأسفل – كما في حالة غزة. وعلينا أن نضيف أن الوعي المتزايد يأتي بنتيجة عكسية بالنسبة لإسرائيل في عزل نفسها من وجهة النظر العالمية المذكورة بشأن استخدام القوة من أجل فرض سلام مفروض مزعوم. ب. الذاكرة الجمعية اليهودية للإرث الماضي تأثير عميق على خلق فرص نجاح العمل اللاعنفي في الوقت الحاضر. لابد من الإقرار بتجربة اليهود كأمة مضطهدة في سياقها التاريخي. فمحاكم التفتيش والمذابح المنظمة والغيتوات، والمحرقة خصوصًا، لا يزال لها تأثير رئيسي على التصورات الذاتية اليهودية كشعب ضعيف. وكما قال ناشط لاعنفي فلسطيني بارز: نحن في زمن يصعب علينا فيه فهم المحرقة، وأحيانًا نختار القول أننا لا نريد فهمها. لماذا؟ لأن المحرقة كانت كارثة بالنسبة لنا – لقد أحدثت وجود دولة إسرائيل. لم يكن لنا ذنب بما حصل في المحرقة، فلماذا علينا أن نتحمل وزرها؟ إذا كنت تريد فهم الإسرائيليين، عليك أن تفهم الكثير من الأمور المتعلقة بالمجتمع الإسرائيلي، وأحدها المحرقة. (مبارك عوض: 1988) فالتصور الذاتي الإسرائيلي الراهن هو أنهم الضحية في خضم الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، على الرغم من تناقض ذلك مع فهم المجتمع الدولي الذي يعتبرهم الطرف الأكثر قوة. تطور المقاومة اللاعنفية الفلسطينية 1. يرغب دعاة اللاعنف الفلسطينيون تذكير أنفسهم، والعالم أجمع، بألا يُساء فهم شعبهم على أنهم عنيفون بطبيعتهم، جراء الاتجاه نحو أفعال قربانية أو انتحارية، ربما يُنظر إليها بوصفها مكوِّنًا من مكونات ثقافة الموت. وعلى العكس من ذلك، الكثير منهم يعتبرون أنفسهم، من زاوية تاريخية، لاعنفيون وضحايا للاستعمار البريطاني الذي تلاه العنف الجسدي والبنيوي الصهيوني والإسرائيلي المُزاول ضدهم. لقد دفعوا ثمنًا باهظًا جدًا جراء ذلك العنف المصبوب عليهم. ومن جهة أخرى، خلق هذا العنف لديهم ردود أفعال لاعنفية وعنفية على حد سواء. بمعنى آخر، كان الفلسطينيون دوماً في موقع دفاع، ولم يكونوا الطرف البادئ بالعنف. (CDCD، 2010)[2] 2. منظمة التحرير الفلسطينية ما قبل الانتفاضة: كانت "فتح"، وهو اختصار باللغة العربية لـ "حركة التحرير الفلسطينية"، الفصيل الأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية PLO منذ تأسيس المنظمة. كان هدفها، كما هو موثَّق في الميثاق الوطني الفلسطيني (1968)، شن كفاح مسلح ضد إسرائيل من أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني. وفي الأصل، تشير مواد كثيرة في الميثاق إلى استحالة التوصل إلى حل الدولتين مع إسرائيل. وتؤكد المادة الأولى على أن فلسطين "جزء لا يتجزأ من الوطن العربي". وعلاوة على ذلك، تناقش المادة 15 هدف "استئصال الصهيونية من فلسطين" (المادة 15) بشكل واضح. لا تعترف هذه البيانات بتأسيس دولة إسرائيل، وتدعي أن الوثيقة الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة المتعلقة بخطة التقسيم غير شرعية. ولم تخلِّف هذه المواقف المتطرفة المعلنة، من ناحية الأهداف والوسائل على حد سواء، سوى حيزًا ضيقًا للمساومة من خلال مفاوضات. 3. الانتفاضة الأولى: يجادل المتشككون بأن الفلسطينيون قد جربوا من قبل السبيل اللاعنفي بالفعل، مع نجاح جزئي خلال هذه الانتفاضة Intifada، التي اندلعت في نهاية العام 1987. إذا لم تنجح آنئذ، فما المانع من تجربتها مرة ثانية؟ في الواقع، شاع استخدام الوسائل اللاعنفية خلال هذه الانتفاضة، وهو ما شكَّل تغيرًا هامًا مقارنة مع الفترة السابقة. يضاف إلى ذلك، لم يُنظر إلى هذا الاعتدال من حيث الوسائل فحسب، بل أيضًا من جانب الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بالضغط الناجح على منظمة التحرير الفلسطينية للانتقال من صيغ على شاكلة "فلسطين ديمقراطية علمانية" إلى "حل الدولتين"؛ حل يضمن تعايش دولتين إسرائيلية وفلسطينية بسلام جنبًا إلى جنب. لكن بعض مكونات الانتفاضة الأولى منعها من تشكيل حركة لاعنفية حقيقية وكاملة. لم تكن الانتفاضة منظمة أو لاعنفية تمامًا، وكانت تفتقر إلى الدعم من الأعلى إلى الأسفل. كان الفلسطينيون يتجمعون فيما يبدو أنها حركة عفوية في إطار توجيهات لاحتجاجات حاشدة في مختلف مناطق الأراضي الفلسطينية، مغلقين الطرق أمام تحركات تحركات الجيش الإسرائيلي. وكان المتظاهرون يرشقون الجنود الإسرائيليين بالحجارة على الرغم من قنابل الغاز المسيل للدموع ووابل الرصاص المطاطي (كنغ، 6). كما أبدت المواكب الجنائزية الضخمة أيضًا مقاومة لاعنفية للاحتلال الإسرائيلي. ويمكن التعرف على الطبيعة الجوهرية للانتفاضة بانبثاق منظمات غير حكومية تدعو للاعنف. وقد تمت تغطية معظم هذه الأحداث من قبل ماري كنغ (2007) ومكسيم كوفمان (2009) وآخرون. والهام بالنسبة لتحليلنا هو أن معظم المنظمات غير الحكومية دعت في ذلك الوقت النشطاء الإسرائيليين إلى الانخراط في نضالاتها. وكان مبارك عوض، مؤسس المركز الفلسطيني للدراسات اللاعنفية، قد أطلق زخمًا قويًا من أجل مقاومة سلمية مخططة، مما دعا إلى اعتبار وجوده تمثيلاً غير شرعي للوطنية الفلسطينية. وبوصفه مريدًا نصيرًا لجين شارب، كان عوض ينقِّب في الأساليب اللاعفية التي كان يستخدمها الفلسطينيون أثناء الانتفاضة الأولى: مظاهرات، تعويقات، عدم تعاون، مضايقات، مقاطعات، إضرابات، مؤسسات بديلة، وعصيانات مدنية. ومن المظاهر الأكثر فعالية التي ذكرها عوض حملة التنظيف التي نظمها شباب من البيرة ورام الله احتجاجًا على إقالة رؤساء البلديات وإغلاق الدور البلدية. وثمة مثال آخر على تحدي الجيش الإسرائيلي في رام الله، عندما عندما أطلق الفلسطينيون الصافرات وأبواق السيارات احتجاجًا على إغلاق جامعة بير زيت (عوض: 28). كما أدار عوض "مكتبة متنقلة" لترجمة ونشر كتب تتعلق بثقافة اللاعنف وتوزيعها على الأطفال في أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتتضمن الممارسات المخططة لعدم التعاون مقاطعات للبضائع الإسرائيلية، الامتناع عن العمل في الإدارات الإسرائيلية العسكرية، رفض دفع الضرائب، رفض التوقيع على الاستمارات الرسمية، رفض العمل في بناء المستوطنات الإسرائيلية وأي من الأشكال الأخرى الهادفة إلى "التهويد". وكان يتم فهم مضايقة الجنود الإسرائيليين على أنها تكتيك نفسي لتذكيرهم بالدور الذي يلعبونه في إلحاق الظلم بالشعب الفلسطيني. وفي حين أصبحت الدعوة لمثل هذه الأساليب شائعة في العلن، إلا أن تطبيقاتها لم تصل إلا جزئيًا إلى حد الجهود المنظمة خلال الانتفاضة. وقد أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير أمرًا أعلن فيه عدم شرعية وجود مبارك عوض في القدس (رغم أنه من مواليد القدس وكان يُعتبر من سكانها في إحصاء ما قبل العام 1967) وتم سجنه لعدة شهور. وصدَّقت المحكمة العليا في إسرائيل على قرار إبعاد عوض، وهذا ما حصل. وهناك مركز ريادي آخر هو المركز الفلسطيني من أجل التقارب بين الناس PCR الذي تأسس في بيت ساحور لإرشاد المجتمع الفلسطيني بخصوص المقاومة اللاعنفية ضد الاحتلال ومن أجل الحقوق الإنسانية والوطنية. وكان PCR مسؤولاً عن المدارس الأقبية وTax Revolt سيئة السمعة ومجموعات الحوار مع الإسرائيليين المؤيدين للنضال اللاعنفي. مع ذلك، لم تكن المقاومة لاعنفية كليًا أثناء الانتفاضة الأولى. فبينما شارك الكثير من المحتجين في أعمال عصيان المدني سلمية، قذف آخرون ليس الحجارة وحسب بل وقنابل المولوتوف أيضًا على الإسرائيليين. وعلى الرغم من تفوق القدرة العسكرية الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني، إلا أن التصور الإسرائيلي للمقاومة الفلسطينية كان يعدها مقاومة عنيفة؛ إذ كان يُنظر إلى رمي الحجارة الرمزي على أنه قذف لصخور تهدد حياة البشر. ومن ناحية أخرى، كان هناك إضفاء حالة مثالية على عنف "محدود" "غير مميت"، "لاعنفي"، "شعبي"، "رمزي". وقد حللت مقالتان التصورات السلبية للجمهور الإسرائيلي (كوفمان: 1990 و1991). ولم يسفر الوعي بأخذ أفضل ما في عالمين إدارة العنف "المحدود" بدمج كلا الاستراتيجيتين عن النتائج المرجوة. كما أشاد رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بـ "أطفال الحجارة" بينما كان يفعل مع "أطفال الـ آر بي جي" (قنابل تعمل بالدفع الصاروخي استخدمت خلال حرب لبنان الأولى ضد الجيش الإسرائيلي). الآن تستهدف الصخور ليس فقط الجنود بل المدنيين أيضًا. وبالتالي، تضاءل اتساع الدعم من المدافعين الفلسطينيين اللاعنفيين المخلصين مثل فيصل الحسيني ومبارك عوض (كارني، 32). هذين العنصرين الحاسمين لحركة مقاومة لاعنفية، اتساق النضال في الوطن والشتات والدعم النشط من الأعلى إلى الأسفل كانا غائبين في الانتفاضة الأولى. كان العالم عمومًا متعاطفًا؛ حدث تغير في المواقف نحو ما كانت تُعتبر في وقت سابق في الغرب حركة إرهابية. لقد كسب النضال الفلسطيني اعترافًا دوليًا، مما أضاف ضغطًا على الإسرائيليين للاستجابة للمتطلبات الفلسطينية. وفي داخل إسرائيل، لفتت أنظار الإسرائييين شجاعة الفلسطينيين تحت الاحتلال وتصميمهم، وما امتازت به بعض تقنياتهم اللاعنفية من سعة حيلة ومخيلة. وفي حين أنهم لا يستطيعون تعيين هوية زعيم لاعنفي متميز، كان لديهم إحساس بأن الوضع القائم سابقًا الذي كان يعتبر فيه الرضوخ الفلسطيني لـ "احتلال حميد" يوفر لهم تحسينات اقتصادية قد انتهى كليًا. لقد تم إدراك حالة الانتقال من "الصمود" Summud إلى تمرد واسع النطاق وأن الشركاء من أجل السلام هم الآن الفلسطينيون – وليس فقط الدولة العربية المتأسسة – بل وأن منظمة التحرير الفلسطينية أصبت مقبولة. لكن مازال ثمة انتقادات واسعة للاعنف باعتباره فهمًا ساذجًا وغير مؤثر وأنه لم يُلغِ النتائج "الإيجابية" للوسائل العنفية القديمة. ولا يزال الكثيرون، من كلا الجانبين: الإسرائيلي والفلسطيني، يعتقدون بأن "اللغة الوحيدة التي يفهمها الإسرائيليون للتخلي عن القوة هي باستخدام القوة"، إضافة إلى القول المقابل "العرب لا يفهمون سوى أن الحق مع القوي". سيكون تضليلاً إنهاء هذا القسم باعتبار الصورة مختلطة، لأن النتائج الإيجابية سادت (أبو نمر: 2007). لقد انبثق تمهيد الطريق أمام مفاوضات مباشرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وحل الدولتين من مثل هذا النضال. ويلخص سليم تعمري إنجازات الانتفاضة بعد 30 شهرًا: يبدو أن إنجازها الرئيسي يكمن في: قدرة مذهلة على حشد كامل قطاعات السكان المدنيين من خلال شبكات مقاومة مدنية تحتية ومشاريع التعويل على الذات المجتمعية، متحدية القدرة الإسرائيلية على مواصلة سيطرتها على الضفة الغربية وغزة. لقد سدد نمط المجابهة اليومية في الشارع ضربة أخلاقية، إن لم يكن لوجستية، لجبروت الجيش الإسرائيلي. وقبل كل شيء، وضعت الانتفاضة العلاقات مع الفلسطينيين ومستقبل المناطق المحتلة في رأس جدول أعمال كل الأحزاب السياسية الإسرائيلية[3]. (تعمري: 1990) كان اللاعنف كوسيلة متمثلاً أيضًا في انخفاض عدد الإصابات في صفوف الإسرائيليين إلى رقم لا يتجاوز العشرين، وكان معظم القتلى في المناطق المحتلة وليس ضمن إسرائيل نفسها، مما يؤشر إلى حدود حل الدولتين. لكن القمع الإسرائيلي خلَّف أكثر من ألف ضحية فلسطينية، مما يتجاوز بقليل عدد القتلى لـ "الانتفاضة الداخلية" اللاحقة، عندما وسمت المواجهات الداخلية المسلحة بين الأخوة نهاية الحدث الناجح. لقد ركزت استطلاعات متفرقة للرأي العام الإسرائيلي على قضية النضال العنفي/اللاعنفي الفلسطيني. وأظهر استطلاع للرأي عُهِد به إلى معهد لويس غوتمان إسرائيل للبحوث الاجتماعية التطبيقية في كانون الأول 1990 بأنه في حين أصبح مستوى العنف المستخدم من قبل الفلسطينيين محدودًا، فإنه لم يُقابل بالمثل من قبل الإسرائيليين: 62% اعتبروا العنف الفلسطيني لا محدودًا. 74% - 78% صنفوا رمي الحجارة على المدنيين و/أو الجنود الإسرائيليين عنفًا لا محدودًا. كانت التوصية الأكثر تكرارًا للفلسطينيين (43%) هي عدم استخدام أي شكل من أشكال القوة لتحقيق نتائج مطلوبة. واعتقدت أغلبية مطلقة (80%) أن الأساليب المستخدمة من قبل الفلسطينيين لتأسيس دولة هي أساليب عنيفة بشكل رئيسي. ووافق نصف من شملهم الاستطلاع (51%) بتشكك على أن الفلسطينيين، ربما أو بالتأكيد، لن يحققوا دولة بدون استخدام القوة. لقد تتبع بحثنا خلال الانتفاضة الأولى التغطية الإعلامية للانتفاضة في اثنتين من كبرى الصحف الإسرائيلية: يديعوت أحرونوت وهآرتس. كانت التقارير التي تتحدث عن الممارسات العنفية واللاعنفية تحت المراقبة على مدى الأعوام 1988 – 1990 (كوفمان: 1991). وهذا ما يُعرف عمومًا في الدوائر الإعلامية بـ "ما يُدمي يتصدًّر" what bleeds leads. لذا قد لا يكون مستغربًا أن المظهر العنفي للانتفاضة انعكس في الإعلام وتم التشديد عليه أكثر. وكانت النتائج الرئيسية كالتالي: انخفضت النسب المئوية للأعمال اللاعنفية المذكورة في يديعوت أحرونوت من 50.6% (1988) إلى 34.9% (1989) و32.2% (1990)، وانخفضت في تقارير هآرتس من 48% (1988) إلى 34.9% (1989) و30.7% (1990)، وكلاهما يعكس الاتجاه لصالح الأحداث السلمية في الأخبار المتداولة بشكل واسع – بدلاً من زيادة العنف الفلسطيني[4]. 4. الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى: في أعقاب الانتفاضة الأولى، عدَّلت "فتح" من مواقفها تحضيرًا للدخول في مفاوضات مع إسرائيل في عملية أوسلو للسلام. لكن تطبيق الاتفاقية تباطأ كثيرًا بسبب التلكؤ الحكومي واغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي رابين ومعارضة بعض القوى من كلا الجانبين للاتفاقية. وقد باشر المفسدون في شلِّ تصاعد عملية السلام. ففي رد على المجزرة التي نفذها المستوطن اليهودي باروخ غولدشتاين وراح ضحيتها 39 من المسلمين بينما كانوا يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي في الخليل في 39-3-1994، قررت حركة حماس تصعيد عملياتها الانتحارية داخل المدن الإسرائيلية مستهدفة المدنيين فقط. لم تكن عمليات حماس المتطرفة مفاجئة لأنها تتماشى مع ميثاقها المتصلب (1988)، الذي تتعهد فيه بتدمير دولة إسرائيل بالجهاد من أجل تأسيس دولة إسلامية على كامل ما تعتبره أرض فلسطين، بما في ذلك أراضي إسرائيل ما بعد 1948 والضفة الغربية وغزة (BBC). علاوة على ذلك، تؤكد المادة 13 من ميثاق حماس على أن "كل ما يسمى بالحلول السلمية، والمؤتمرات الدولية لحل المشكلة الفلسطينية، تتعارض مع معتقدات حركة المقاومة الإسلامية". (ميثاق حماس، 1988). لم يتمكن اجتماع كامب ديفيد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك والرئيس الفلسطيني عرفات، الذي انعقد برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون في العام 2000، من ترميم الفشل الذي منيت به اتفاقيات أوسلو للسلام. على العكس تمامًا، فقد انحدر الوضع الاقتصادي والأمني في بعض الأحيان بما يفوق التوقعات مما جعل الفلسطينيون يعيشون إحباطًا. واتجه الكثيرون إلى العنف كوسيلة سادت الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى). واستقطبت العمليات الانتحارية التي كانت تنفذها حركتي حماس والجهاد الإسلامي القطاعات الشبابية من حركة فتح. وقد أدت الطبيعة العسكرية والإسلامية للحركتين إلى إدراجهما كمنظمتين إرهابيتين، ليس من قبل إسرائيل فحسب، بل من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضًا. هذا ما مهد الطريق أمام عسكرة الانتفاضة. فقد استغلت حركة حماس رغبة الفلسطينيين في الثأر من العمليات الانتقامية الإسرائيلية. وفيما كان الفلسطينيون العاديون يشعرون بالحصار أكثر بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية المتزايدة وحظر التجول والحزام الأمني المضروب على الضفة الغربية والحرمان من "ثمار السلام" التي كانت متوقعة، استطاعت المجموعات الإسلامية كسب شعبية لاستخدامها العنف. فقد تزايد تأييد الرأي العام للإسلاميين من 17% في منتصف العام 2000 قبل الانتقاضة الثانية مباشرة إلى 35% في منتصف العام 2004. ومن جهة أخرى، انخفض التأييد لحركة ياسر عرفات القومية "فتح" من 37% إلى 28% (الشقاقي: 46). وقد استهدفت العمليات الانتحارية المدنيين فقط، وهم القطاعات الأكثر قابلية للتعرض للهجوم في المجتمع: أطفال ومسنون في الحافلات، شباب في نوادي الديسكو، عامة الناس في المطاعم والأسواق. لم تتم مهاجمة أهداف عسكرية أو بنى حكومية. لقد أصبح الخوف مُعمَّمًا، فبدلاً من القتال على حدود إسرائيل، بدت المدن الساحلية كجبهة "وطنية". وأصبح الأمن الشخصي هو القضية الرئيسية بدلاً من الأمن الوطني. لقد بقي عدد قليل من المنظمات غير الحكومية الأقدم، ونشأت بعض المنظمات الجديدة. وقد قاد PCR المذكور قبلاً مسيرة إلى قاعدة شِدما العسكرية جنبًا إلى جنب مع مئات من الفلسطينيين والإسرائيليين والفاعلين الدوليين احتجاجًا على مقتل سيدتين ورجل وتضرر 200 منزلاً. لكن جهود PCR أُعيقت خلال انتفاضة الأقصى بسبب تنامي الارتياب بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومع ذلك، مازالوا يرحبون بمشاركة الإسرائيليين في حركتهم وينظموا الأعمال التي تظهر أن المقاومة اللاعنفية تتوجه إلى الفلسطينيين من مختلف المناطق. (ستوهلمان، 63 – 64) وأصبحت بيت لحم بؤرة النشاط اللاعنفي حيث تشكلت ثلاثة منظمات لاعنفية جديدة على الرغم من الطبيعة العنفية للانتفاضة الثانية، ومنها المركز الفلسطيني لحل النزاع والمصالحة CCRR ووئام Wi'am وثقة الأرض المقدسة. وفي العام 2005 نظمت الأخيرة أكبر حشد في عيد الميلاد شارك فيه أكثر من 400 ناشط دولي ومحلي وبحضور جين شارب، المنظر والاسترتيجي الأكثر بروزًا للنضال اللاعنفي في العالم. وقد حافظت المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الأخرى التي تتخذ من رام الله والقدس مقرًا لها على زخمها في النشاط اللاعنفي، مثل الديمقراطية واللاعنف في الشرق الأوسط MEND ومركز تنمية المجتمع والديمقراطية. حركة التضامن الدولية ISM التي تأسست في صيف العام 2001 هي منظمة غير حكومية فلسطينية تهدف إلى رفع مستوى الوعي حول مظالم الاحتلال بكشفها للنشطاء الدوليين من خلال تعريضهم له. فمشاركة النشطاء الدوليين في احتجاجاتهم أمر بالغ الأهمية لأنهم كانوا يلاحظون تغير في الرد الإسرائيلي عندما يتواجد المزيد من النشطاء الدوليين. فالجنود الإسرائيليون أكثر حذرًا في استخدام الرصاص المطاطي والذخيرة الحية عندما تولي وسائل الإعلام الدولية اهتمامًا أكثر بما يحدث (ستوهلمان 67). وفي غضون عامين شارك أكثر من ألف متطوع دولي بالاحتجاجات مع ISM ومن ثم عادوا إلى أوطانهم لينشروا ما شاهدوه (كوفمان: 2005، 151). 5. فترة ما بعد عرفات: أضحى النزاع بين حركتي حماس وفتح أكثر وضوحًا منذ أن سيطرت حماس بالعنف على قطاع غزة. فالرئيس محمود عباس، خلافًا لحركة حماس، يبدي انفتاحًا على المفاوضات مع إسرائيل وإدانة عسكرة الانتفاضة. وفي آب من العام 2009 نظم عباس مؤتمرًا لحركة فتح مثَّل نقطة تحول وشارك فيه الفلسطينيون المنتمون إلى الاتجاه السائد في فتح. دام المؤتمر ثلاثة أيام، وهو الاجتماع الأول منذ 20 سنة، والأول إطلاقًا على التراب الفلسطيني (كيرشنر: 2009)[5]. وقد وفر هذا الاجتماع فرصة لتوضيح أهداف الحركة وحشد الفلسطينيين حولها. ومع ذلك، بقي خطاب الرئيس عباس مبهمًا وبعث برسائل شابها التشويش إلى مؤيديه من الفلسطينيين كما إلى الإسرائيليين. فمن جهة، بدا مدافعًا عن "بداية جديدة" وأشاد بالاحتجاجات الشعبية مثل المظاهرات الأسبوعية ضد الجدار الأمني العازل الإسرائيلي في بيلين وقرى أخرى. ومن جهة أخرى، استذكر الرئيس عباس "السنوات الأولى للكفاح المسلح ضد إسرائيل" بينما كان يلقي خطابه وقد بدا خلفه ملصقًا كبيرًا يظهر فيه شاب فلسطيني يحمل بندقية (كيرشنر: ب). ورغم أن المندوبين للمؤتمر اقترحوا إجراء مراجعة لميثاق حركة فتح، إلا أنهم أبقوا على جملة فيه تنذر صراحة بـ "تصفية الكيان الصهيوني" (ماكغيرك). مثل هذه الرسائل المتناقضة تخفق في توحيد الفلسطينيين حول نهج موثوق وحازم، وتتكشف عن أهداف ملتبسة وانقسامًا حزبيًا. كما أنها تُظهر العقبات التي تواجه الرئيس عباس ضمن صفوف حزبه، إضافة إلى محاولة المصالحة مع حركة حماس. وبالرغم من الاعتقاد بأن عباس كان يتوجه في خطابه إلى شرائح متعددة في حركة فتح، إلا أنه تحدث بشكل واضح ضد استخدام العنف أثناء مفاوضات السلام في أنابوليس والتي كانت قد بدأت برعاية الرئيس جورج دبليو بوش وفشلت، بيد أنه لم يؤكد على أن المقاومة اللاعنفية تتساوق مع الحوار السلمي بحثًا عن سلام عادل. فقد كان القصف المتواصل للبلدات والتجمعات الإسرئيلية من غزة في نظر كل اليهود الإسرائيليين تقريبًا مبررًا لحصار غزة، وإجراء نحو شن حرب حقيقية في 2008/9 وُصفت بأنها "عملية الرصاص المصبوب" من قبل الجيش الإسرائيلي IDF. وفي حين لا يزال ينتشر استخدام الوسائل اللاعنفية، تبقى الصورة غير واضحة بنظر الإسرائيليين. وقد توقع بعض الأكاديميين "انتفاضة بيضاء" جديدة (ميشال، شاؤول، مازا، دورون) ذات طبيعة لاعنفية. وفي الآونة الأخيرة، حذر مسؤولون من فتح من اندلاع "انتفاضة ثالثة" سوف "لن تبدي كفاحًا مسلحًا أو استخدام للأسلحة النارية" (خوري). وقد أكد مسؤولون في السلطة الوطنية الفلسطينية، وبوجه خاص رئيس الوزراء فياض، على الرغبة في مواصلة المظاهرات الأسبوعية في نعلين وبلعين (خوري)، والعمل أيضًا على فرض إلزامي لمقاطعة السلع المنتَجة في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية؛ وهذا ما يمثل تحولاً إيجابيًا في وسائل استراتيجية تتماشى مع هدف إقامة دولتين تتعايشان بسلام جنبًا إلى جنب. لكن، من أجل الحصول على نتائج مؤكدة، يتطلب الأمر قيام حركة مقاومة متحدة وواسعة تتبنى السبيل اللاعنفي كليًا. بيد أن "عملية الرصاص المصبوب" وإطلاق صواريخ القسَّام على جنوب إسرائيل باعدت ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلاوة على ذلك، كان التحالف المتشدد بقيادة الليكود المقترن بقيادة حركة حماس المتصلبة بمثابة عائق رئيسي أمام مفاوضات مثمرة. وهذا ما تُرجم إلى تشاؤم سوداوي في الأوساط الشعبية، حيث لا يعتقد ثلاثة أرباعهم بأن تؤدي المفاوضات إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يُضاف إلى ذلك أن الفلسطينيين يؤكدون على أنه حتى في حال توقيع اتفاقية، فإنهم يشكُّون بأنها ستعمل على حل الصراع التاريخي مع إسرائيل[6]. وقد تبدو حركة حماس بنظر الفلسطينيين قوة لا يستهان بها ظاهريًا على الأقل، لكن ليس بوسع قيادة حماس تقديم تبرير للفلسطينيين كيف يمكن لصواريخ القسَّام أن تحسِّن معيشتهم أو أن تعجِّل في دفع قضيتهم النهائية في إقامة دولة (صعب، 9). لم تفلح حتى الآن الجهود التي تبذلها إدارة أوباما. وهذا المنظور الكئيب يضع السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالدرجة الأولى الشعب في الضفة الغربية والقدس الشرقية، أمام تحدٍ متمثل في التمكين واتخاذ مزيد من المبادرة حيال عملية السلام. فالاسترتيجية الجديدة لتفعيل المؤسسات والإعداد لانتخابات ديمقراطية والحصول على اعتراف دولي واسع بدولة فلسطينية قد يحتاج إلى تلطيف الشكوك وتهدئة المشاعر. وبدعم من القيادة والقاعدة، يمكن لمقاومة لاعنفية مستدامة أن ترافق مفاوضات رسمية وإمالة ثقافة النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني لصالح أنصار السلام العادل[7]. التصورات والمفاهيم الخاطئة والردود الإسرائيلية لم تصل بعد الجهود الفلسطينية اللاعنفية إلى مسامع أغلبية المجتمع الإسرائيلي، كما يتبين في السلسلة التالية من المقابلات وآراء أكاديميين وطلاب وصحفيين ونشطاء (معهد ترومان، 2003). فقد رأى أغلب الأكاديميين أن المقاومة اللاعنفية في حدها الأدنى، ويتفقون على أن الإسرائيليين في غالبيتهم ينظرون إلى الفلسطينيين عمومًا كدعاة عنف[8]، ويرتابون بإخلاص التصريحات اللاعنفية، ويفسرونها على أنها مجرد بديل عن تحقيق الهدف نفسه. بمعنى آخر، حتى إذا كانت حالة من اللاعنف قائمة، لا يعتقد الإسرائيليون بأن الفلسطينيين يعارضون استخدام العنف فعليًا ويتشككون بأهداف الفلسطينيين على المدى الطويل. على سبيل المثال، هل "تحرير فلسطين" يتضمن ما يخص إسرائيل؟ هل القرار الذي ينطوي على انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية يكفي لإقرار اتفاقية وضع نهائي، أم أنه مجرد مرحلة من صورة أكبر تستدعى المزيد من التنازلات والأراضي؟ آ. التصورات الإسرائيلية عن اللاعنف الفلسطيني عمومًا، ثمة رضة عميقة الجذور تجعل اليهود متخوفين من التحريض اللفظي فضلاً عن العنف الفعلي. لا يكفي أن يكون هناك بضعة من الجمهور المسلم والعربي وبعض التعبيرات الشعبية العامة والتصريحات والسلوكيات لاستمالة الإسرائيليين واليهود، بما يتضمنه ذلك من تشكيك بحقيقة المحرقة، إنهم مطوقون بمحيط من الكراهية حيث لم يكن بإمكان العرب الاعتراف بالهزيمة وكان خطابهم عنيفًا (صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون، 3 نيسان 2001، إياد السراج، على الفلسطينيون أن يجربوا المقاومة اللاعنفية). العقل الإسرائيلي أكثر ميلاً إلى تفهم الرسالةعلى النحو التالي: "سنقتلكم جميعًا"، حتى وإن ارتفعت كثير من الأصوات بشجاعة في أوساط الفلسطينيين للتنديد علانية بالعمليات الانتحارية وتفجير السيارات. فمازالت صرخة "Itbah Al Yehud" (إذبح اليهود) يتردد كصدى على نحو أكبر. وللحقيقة، ثمة صورة مطابقة في الصراخ، "Mavet LaAravim" (الموت للعرب)، الذي يدعو فيه الغوغاء إلى الانتقام كلما حصلت حادثة قتل لإسرائيليين؛ وكلتا الدعوتين مرعبتين، وإن لم تُنفذا. وبالمثل، يفهم اليهود الجهاد Jihad (الحرب المقدسة) على أنه جرس مختلف يدق في الصراع الداخلي ضمن الذات الواحدة ويترجمه المسلمون الأتقياء. انتقال الإسرائيليين إلى نكران الماضي: رغم أن معظم الإسرائيليين يعتبرون القمع الذي تمارسه حكومتهم ضد الفلسطينيين أنه عقوبة مبررة ردًا على العنف الفلسطيني، إلا أن هناك أيضًا تجاهل لإدراك أن الاحتلال بحد ذاته مصدرًا رئيسيًا لمعاناة الفلسطينيين، والذي دعاه غالتونغ "عنفًا بنيويًا" [1971]. في مجموعة الاهتمام الخاصة بنا، يوافق الصحفيون على أن الصورة الفلسطينية الأخرى والوحيدة التي يدركها الإسرائيليون تستند إلى تقارير المعاناة الإنسانية. فصورة المعاناة الفلسطينية التي تظهر في تقارير مثل عازف الكمان الذي أُجبر على العزف على آلته عند حاجز تفتيش أمني، أو العمال الفقراء الذين يُعاملون بخشونة عند حاجز إريز، تثير انزعاجًا أخلاقيًا، وبالتالي تخلِّف انطباعًا قويًا. لذا، الطريق إلى اللاعنف سيجعل الإسرائيليين ينعمون النظر من وراء تروسهم لكي يروا الشكل الحقيقي للرجل والمرأة الفلسطينية؛ فهم سيكونون بعد ذلك مطمئنين بما يكفي لمشاركة الفلسطينيين ألمهم والتعاطف معهم. وسيكون بمقدور الكثير من الإسرائيليين الانضمام إلى حركة النضال الفلسطيني التحرري. (سراج، 2001) الشكوك بمسار "اللاعنف" واعتباره شعارًا مناورًا طرح أحد الصحفيين سؤالاً، "السؤال هو، كيف يتصور الإسرائيليون التحادث مع الفلسطينيين المؤيدين للاعنف، هل هم مخلصون؟ أم أنهم يسعون تفكيك وحدة الإسرائيليين عبر إعلاناتهم اللاعنفية؟". وأضاف صحفي آخر، يستخدم الفلسطينيون العنف على نحو وسائلي. فهم يتحدثون الآن في وسائل الإعلام عن الابتعاد عن العنف ، لكن ثمة أخلاقيات للعنف موجودة؛ فاستعمال كلمة "شهيد" Shahid أصبحت شائعة. عندما يريدون فإنهم يشغلون "مفتاح العنف"، والآن يطفئ أبو مازن مفتاح "العنف"... إنه ليس موقفًا يمكن الركون إليه. يتخوف الإسرائيليون من أن مصطلح "النضال اللاعنفي"، كما تستخدمه حركة فتح، هو مصطلح يحمل بين ثناياه "الحرب". فالإسرائيليون يتلقون الإعلانات الفلسطينية بالعزم على إيقاف الأعمال العنفية بالشك. وقد انتاب بعض الصحفيين شك بأنه ربما هناك فارق ما من اللانسجام بين ما يقال وبين الرسائل التحتية. فقد يعبر الفلسطينون عن أنفسهم بشكل مختلف عندما يتحدثون مع الإسرائيليين أو عندما يتحدثون مع أناس في مجتمعاتهم الخاصة. فالإعلانات اللاعنفية يتحسسها الكثير من الإسرائيليين على أنها قضية مصالح أكثر من كونها التزام حقيقي بمبادئ حل النزاع. ومع ذلك، يوافق معظم الصحفيين على أن لدى الجمهور الإسرائيلي مزاج متحول وذاكرة هشَّة بخصوص العنف، وكذلك الفترات القصيرة من الهدوء النسبي، تؤدي إلى المزيد التفاؤل في الشارع الإسرائيلي. لكن التراخي بالأساليب اللاعنفية لا يتكافأ مع الاعتراف بالعمل اللاعنفي كاسترتيجية غالبة. ب. المفاهيم الخاطئة على مستوى الرأي العام، يُظهر الاستطلاع الذي قام به معهد البحوث من أجل أرضية مشتركة SFCG الإمكانية المدهشة للسلوك اللاعنفي لدى الفلسطينيين. فبعد مرور عامين على انتفاضة الأقصى في العام 2002، يكشف المسح عن أن 80% من الفلسطينيين يؤيدون حركة احتجاج لاعنفية واسعة النطاق، و56% يشاركون فيها. وعلى نحو مشابه، يعتقد 78% من اليهود الإسرائيليين أن الفلسطينيين لديهم حق مشروع في السعي إلى إقامة دولة فلسطينية، بشرط أن يستخدموا وسائل لاعنفية. وتُكمل دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للإنماء UNDP المسح الذي أجراه SFCG، حيث تشير إلى أن ما يقارب 70% من الشباب الفلسطيني يعتقدون أن استخدام العنف لحل النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي لا يحقق الكثير من الفائدة المرجوة[9]. ثمة مسح آخر أجراه المركز الفلسطيني للسياسة والبحوث المسحية PSR في رام الله ومعهد بحوث هاري إس. ترومان لتقدم السلام في الجامعة العبرية في القدس استطلع الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي بين 7 و21 أيلول العام 2005[10]. فحتى في أوقات الشدَّة، تشير الاستطلاعات إلى اعتراف متبادل بالهوية؛ حيث يؤيد، وفقًا لاستطلاع معهد ترومان، 66% من الإسرائيليين 63% من الفلسطينيين اعترافًا متبادلاً بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وبفلسطين كدولة للشعب الفلسطيني. واللافت أكثر أن غالبية الدعم لهذه الخطوة يأتي من أوساط عرب إسرائيل: 63% يؤيدونها و34% يعارضونها. تنميط ثقافة عنفية ثمة فهم مُعمَّم بأن الإسلام العربي المعاصر ينطوي على ميل متأصل نحو الوسائل العنفية، ليس ضد اليهود فحسب، بل وضد بعضهم البعض في أسوأ أشكال القتل. فقد تلا الانتفاضة الأولى "انتفاضة داخلية" قتل فيها الفلسطينيون من بعضهم أعدادًا تفوق الضحايا التي كان سببها القوات المسلحة الإسرائيلية. ومع العرض المتفرق للمعلومات المتضادة (حيث لا تقوم وسائل الإعلام بتغطية كافية للأنشطة اللاعنفية)، من الصعب إحداث تغيير في هذه التصورات، وبالتالي حالة الشك القائمة. والاهتمام الذي كان يتزايد بخصوص مفهوم اللاعنف في السياق الشرق أوسطي، انصب على ضرورة تكييف نظرية وأعمال لاعنفية معروفة في سياق محلي. ومن أجل تحقيق نجاحات، يجب أن تكون الحركات اللاعنفية معينة في سياقها، بمعنى أن تستند على ما هو محلي من دين وثقافة. لقد أشار المراسلون الحربيون إلى أن الأحداث التراجيدية لعصيان لاعنفي يمكن أن تفرز نتائج مختلطة، انقسام فعلي في صفوف الشباب الإسرائيلي الذين يؤدون الخدمة العسكرية، لكن خصوصًا في أوساط جنود الاحتياط الذين يعملون في الكثير من حواجز الطرق[11]. وربما تتوقع قصص منفصلة نمطًا يمكن للشك أن يُنتج فيه أوليًا أعمالاً عدوانية انتقامية واستعمال للأسلحة القاتلة ضد المقاومة اللاعنفية؛ لكن مثل هذا التصعيد يمكن أن يستثير المزيد من الرفض من جانب قطاعات لها وزنها للامتثال إلى ما قد يُنظر إليها على أنها أوامر "غير قانونية" أو لا أخلاقية. ولا يستوجب الأمر بالضرورة تحقيق أغلبية في أوساط الجنود الإسرائيليين لكي يؤدي مثل رد الفعل هذا إلى انقسام في المجتمع الإسرائيلي والقيادة حتى. ويعزو كارني إلى كبير العلماء النفسانيين السابق لجيش الدفاع الإسرائيلي ونائب مدير مجلس الأمن القومي تاليًا، رؤوفين غال، في لقاء توجيهي مع كبار الضباط في الجيش حول الطبيعة اللاعنفية للانتفاضة الأولى، أنهم أُصيبوا بالصدمة لمعرفتهم بأن ترسانة الأسلحة التقليدية الإسرائيلية ما كانت ستنجح ضد مجموعة من الشباب الفلسطينيين عُزَّل من السلاح مصممة على نيل الاستقلال. لقد أثار اللاعنف تغيرًا في صلب تجربة تقويمية لوزير الدفاع آنذاك ورئيس الوزراء الساعي إلى السلام فيما بعد، رابين. ففي بادئ الأمر، دعا رابين جهارًا إلى "تكسير أذرع وأرجل" الفلسطينيين، لكنه اعترف لاحقًا بأن "قوة الفلسطينيين الجديدة لم تكن قابلة للقياس الكمي عسكريًا أو للتعامل معها عسكريًا" (كارني، 13). وعلاوة على ذلك، غالبًا ما يؤدي قمع الاحتجاجات الواسعة إلى ضحايا، مما يزيد تصاعديًا الروح القتالية. فوزير الدفاع السابق بنيامين إليعازر يلاحظ أن إسرائيل كانت تواجه انتفاضة شعبية وأن القمع ما كان لينفع ضد جيل بلا أمل أو خوف (كنغ، 7). ويؤكد الدكتور إياد السراج أن الجندي الإسرائيلي كائن بشري وليس وحشًا مجردًا من الضمير والمشاعر. فهو لديه فهم للخطأ والصواب يمكن الاحتكام إليه. فالإسرائيليون الذين يبدون كسادة هم في الحقيقة ضحايا تاريخ مؤلم واضطهاد ومعاناة وغيتوات. (صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون، 3 نيسان 2001، إياد السراج، على الفلسطينيين أن يجربوا المقاومة اللاعنفية). الرد العسكري العدواني المتواصل على الاحتجاجات الفلسطينية من قبل الجيش الإسرائيلي يثير القلق. وهذا ما يبرر السؤال، هل تعوز هذا الجيش الكفاءة التامة للتعامل مع مقاومة لاعنفية؟ فك الارتباط مع قطاع غزة في العام 2005 يصلح كمثال على قدرة الجيش الإسرائيلي على إطاعة الأوامر، في حين أنه يرد بعدوانية على احتجاج لاعنفي. التوتر الحاد الموجود داخل إسرائيل أدى إلى إخلاء وتفكيك المستوطنات اليهودية. ومع ذلك، ورغم كل المشاق والانفعالات والتعقيدات، كانت عملية فك الارتباط مع غزة أقل عنفًا بكثير مما كان متوقعًا. ورغم ذلك، يُظهر فك الارتباط مع غزة قدرة الجيش الإسرائيلي على الرد بشكل مناسب على مقاومة لاعنفية[12]. القيادة اللاعنفية أُبديت تحفظات تجاه فكرة عملية من الأعلى إلى الأسفل وإمكانية خلق حركة تفتقر إلى قيادة قوية؛ لسوء الحظ، ليس لدى الفلسطينيين غاندي أو مارتن لوثر كنغ أو أحد ما يتولى القيادة... فبدون رمز يقود الحركة، لن يدوم المسعى اللاعنفي طويلاً. فأولئك الذين آمنوا بأن العملية هي عملية من الأعلى إلى الأسفل أوحوا بضرورة تركيز النشاطات على تقوية قيادة سياسية مركزية. ولكي يكون هناك تأثير، كما أشار كثيرون، لابد من قيام حركة جماهيرية: "يجب أن تصبح حركة جماهيرية، يجب أن تكون بالآلاف"... "ويجب أن تكون مستدامة". فإذا تم تجريب عمل لاعنفي في القدس، ستكون هناك إمكانية لمشاركة متزايدة من دبلوماسيين أجانب ووسائل إعلام عالمية، إضافة إلى تضامن المجتمع المدني الإسرائيلي في المدينة نفسها وفي أمكنة أخرى. لكن، للأسف، لم يعد هناك الكثير من الروح المقاتلة في أوساط الفلسطينيين في المدينة الذين بقوا دون قيادة مُشرعنة منذ وفاة فيصل الحسيني، والخوف من الأعمال الانتقامية الإسرائيلية التي يمكن أن تلحق الضرر بهم كأفراد في وضع أفضل نسبيًا من بقية أخوانهم في المناطق المحتلة. وقد رأى البعض أن رد فعل عنفي على عمل لاعنفي سيشيع في الأخبار على نحو مؤكد: "عليهم الاستلقاء على الطريق، أو يمشون كجبهة متحدة متشابكي الأيدي، وستتناقل وسائل الإعلام أي رد فعل عنفي على فعل لاعنفي. جـ. الردود الرسمية الإسرائيلية إبان الانتفاضة الأولى، أصرت الحكومة الإسرائيلية المتشددة بزعامة رئيس الوزراء إسحق شامير على استراتيجية "القبضة الحديدية". وقد حدد وزير الدفاع رابين أن السياسة الرسمية للحكومة في التاسع عشر من كانون الثاني 1988، "الأولوية هي لمنع التظاهرات العنيفة بالقوة وتوجيه الضربات" (كنغ، 7). وفي محاولة للـ "تلطيف" من ردود IDF بإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين، وزع الجيش هراوات خشبية ومعدنية على الجنود مع تفويض لهم بتكسير أطراف المتظاهرين. ويبدو أن الجيش فهم الأمر حرفياً، حيث كشفت مقالة في صحيفة هآرتس أن 197 فلسطينيًا قد تلقوا العلاج جراء تكسر أطرافهم خلال ثلاثة أيام من تصريح رابين. (كنغ، 8). في اختصار، لم يكن IDF مُدربًا بالدرجة الأولى للرد على أفعال لاعنفية؛ فالجنود، الذين تم تجهيزهم للقتال وتحضيرهم نفسيًا لصد التهديدات الخارجية يقاتلون عدوًا في الداخل، وجدوا صعوبة كبيرة في هذا التحول. فالتدريب غير الكافي على مواجهة الأفعال اللاعنفية يتمثل بإقدام الجنود على القيام بعمليات انتقامية عنيفة ما زالت مستخدمة حتى اليوم. ويؤكد IDF أن المحتجين يقذفون الحجارة خلال التظاهرات مما يثير ردودًا عدوانية أكثر[13]. وقد يكون من المفيد الإيضاح: في نيسان العام 2009، انتهت تظاهرة ضد السياج العازل في بيلين شارك فيها فلسطينيون وإسرائيليون ونشطاء دوليون على نحو فاجع؛ حيث أُصيب باسم ابراهيم أبو رحمة بشظايا قنبلة مسيلة للدموع في صدره وتوفي متأثرًا بجراحه بعد فترة قصيرة من وصوله إلى المستشفى. وقد ادعى IDF أن الاحتجاجات كانت عنيفة[14]. وبعد بضعة أسابيع، وفي تظاهرة احتجاجية مماثلة للفلسطينيين ضد الجدار الفاصل، قتلت القوات الإسرائيلية يوسف سرور برصاصة في صدره. ومجدداً، أعلن IDF أن الجنود كانوا يردون على "وابل الصخور المتساقطة عليهم"[15]. وفي مسعى حثيث للاحتجاج في بلعين، قاد زعماء من المنطقة طاقم بناء سري عبر الجدار العازل وبنوا كوخًا مؤقتًا على أرض القرية التي تم الاستيلاء عليها لبناء حي جديد للمستوطنة اليهودية المجاورة (مناورة تسلل تحاكي استراتيجية إسرائيل التوسعية بخلق "حقائق على الأرض"). وعندما هدد الجيش بهدم الكوخ لجأ أهالي القرية إلى المحكمة العليا في إسرائيل للطعن في قانونية الحي الجديد الذي كان يفتقد إلى ترخيص حكومي رسمي. وأمرت المحكمة حكومة إسرائيل بإيقاف البناء في الحي، ونقل السياج العازل وإعادة حوالي نصف الـ 575 هكتار من بساتين الزيتون كان قد فقدها مزارعو بلعين. ثم بدأوا تحالفًا مع أحد عشر قرية في الضفة الغربية للاشتراك في هذه الاستراتيجيات، وقد أثمر البعض منها. واعترضت 6 تجمعات محلية بنجاح مسار السياج العازل عبر أراضيهم. وقد تساعد النشطاء مع مؤيدين من خارج مناطقهم على انسلال شاحنات الماء إلى المناطق العطشى التي تم عزلها من قبل الجيش ولحماية حاصدي الزيتون من تحرشات المستوطنين[16]. ولدى سؤاله عن تفسير للإجراءات الصارمة، قال قائد كتيبة عسكرية إسرائيلية أن المحتجين الذين يلحقون ضررًا بأعمال بناء السياج تم التقاط الصور لهم واعتقالهم. لكن بعد أسبوع من المطالبات، لم يقدم الجيش أية تفصيلات تدعم الادعاءات بالضرر. لكن، إذا تابعنا الموجة الثورية التي تجتاح المنطقة، ... الجماهير الفلسطينية، عشرات الآلاف، مئات الآلاف، يسيرون إلى نقاط التفتيش التي يقيمها الجيش الإسرائيلي، والبؤر الاستيطانية، إلى الطرق المخصصة للإسرائيليين فقط، إلى المستوطنات، إلى السياج الأمني ... صارخين 'أخرج! أخرج!. وبرفضIDF الخروج، ماذا سيفعل عندها، بحق الجحيم؟ أيطلق النار عليهم؟ يعتقلهم؟ ألم يرى العالم كله، وللمرة الأولى، جماهير عربية عزلاء أخرى تواجه مضطهديها وتنتصر؟ ما الذي سيفعله IDF تحت أنظار العالم، للمرة الأولى، غير رؤية عرب، كشعب مثل كل الشعوب، يريد حرية يستحقها وينالها، على أقل تقدير، بشجاعتهم. (جيروزاليم بوست، 23 شباط 2011). د. ردود أفعال المجتمع اليهودية لعل أبرز مثال على قوة اللاعنف هي المقاومة التي أبداها النشطاء في قرية بُدرُس في الضفة الغربية الذين كانوا يحتجون على بناء السياج/الجدار الأمني في قسم كبير من أراضيهم الزراعية. وقد أثار توثيق الأحداث في فيلم مجرد رؤية Just Vision، بُدرُس، ردود فعل قوية من قبل المشاهدين اليهود في الولايات المتحدة وإسرائيل. فالفيلم يبرز دور المناصرين النشطاء الذين يثيرون تعاطف المشاهدين معهم إلى حد أن المشاهدين يمكن أن يضعوا أنفسهم محلهم ويستشعروا نفس مشاكلهم ويتقمصوا أدوارهم. وهناك أيضًا بضعة أمثلة محلية تنتزع التعاطف والتفهم والتأثر مما يمكن أن يساهم في إضعاف الفكرة المنمطة الشعبية: "فلسطيني = إرهابي"[17]. دليل السلام Peace Index (مركز شتاينميتز Steinmetz: أيلول 2005) استطلع المواقف حيال مختلف الطرق الاحتجاجية التي قد يستخدمها الإسرائيليون المعارضون لإخلاء المستوطنات اليهودية في غزة بالقوة. فالمواقف تجاه وسائل الاحتجاج، التي يتصورها الجانب الإسرائيلي على أنها شرعية، يمكن أن تعكس المواقف عمومًا تجاه الطرق الشرعية التي يستخدمها الفلسطينيون للاحتجاج. وقد ميز الاستبيان بين ثلاثة طرق احتجاج محتملة: ضمن حدود القانون (مثلاً: عرائض، تظاهرات قانونية)، عصيان مدني لاعنفي (مظاهرات غير مُرخَّص لها، رفض الخدمة العسكرية، الامتناع عن دفع الضرائب، إلخ)، وأخيرًا، العصيان المدني العنيف (استخدام القوة لمواجهة عملية إخلاء المستوطنات). وقد بيَّن الاستطلاع، كما في السابق، أن هناك تأييد للاحتجاجات طالما كانت قانونية. فقد أيد 86.3% الوسائل القانونية في الاحتجاج، بينما أيد 13.5% فقط الطرق اللاقانونية كالعصيان المدني اللاعنفي، ولم يؤيد سوى عدد ضئيل يُقدر بـ 6.5% الاحتجاجات العنيفة. وفي سلسلة أخرى من الأسئلة، حاول منظمو الاستطلاع استشعار مستويات التأييد للمفاوضات وفيما إذا كان التأييد لها مشروطًا بانتهاء الإرهاب أم لا. فقد اتفق 50.3% مع الرأي الرافض لاستئناف المفاوضات طالما استمر الإرهاب، في حين تبنى 43.1% الرأي القائل بضرورة بدء المفاوضات بدون أية شروط مسبقة. لقد باتت النشاطات اللاعنفية الواسعة التي تستبدل التصور المنمط عن الفلسطينيين كإرهابيين أكثر قدرة على تحقيق المطلب الأولي لأغلب الجمهور والعمل كمحفز لاستئناف المفاوضات. على العموم، كان النشاط اللاعنفي في إسرائيل محدودًا إلى حد ما. ووفقًا لأبو نمر ، ثمة أربعة أسباب رئيسية تفسر ضعف حركة العمل المباشر اللاعنفية الإسرائيلية الفاعلة والمستدامة. السبب الأول هو أن الموقف الرسمي لأكبر حركة سلام والأكثر تأثيرًا في إسرائيل، حركة السلام الآن، تتفادى أية مواجهة مع القوات العسكرية الإسرائيلية على الأرض، مع أنها تعارض الكثير من السياسات الحكومية مثل: التوسع الاستيطاني، انتهاكات حقوق الإنسان، العقاب الجماعي (بما في ذلك الكثير من الذين يخدمون في الجيش أو قوات الاحتياط). العامل الثاني الذي يوضح ضعف حركة لاعنفية إسرائيلية مستدامة هو أن العمل اللاعنفي المباشر يتطلب مستوى أعلى من المخاطرة من نشطاء السلام، منها التهديد بالاعتقال. لقد اعتمدت حركة السلام الإسرائيلية عمومًا على نخب من الطبقتين الوسطى والراقية، أتباعًا ومنظمين، الذين هم في الغالب من المهنيين الذين يعيشون في تجمعات يغلب عليها الثراء، وهذا ما يزيد من كلفة معارضتهم المكشوفة للإجماع الوطني. ثالثًا، خلق المجتمع والاقتصاد المعسكر في إسرائيل حالة من التبعية الشديدة على التراخيص الأمنية للوظائف والترقيات. والتفسير الرابع لضعف حركة لاعنفية مستدامة هو الاعتماد المتبادل بين السلام الإسرائيلي والفلسطيني وحركات المقاومة؛ فالتراجع أو الضعف في أحد الطرفين يترك أثرًا على الأخر في أغلب الأحيان، ويتم استثماره من قبل أولئك الداعين إلى العنف بزعم أنه "ليس هناك من شريك على الجانب الآخر". وأخيرًا، ضعف التعبئة اللاعنفية الفلسطينية القائمة على أساس مدني هو عامل آخر لإضعاف مجموعات العمل المباشر اللاعنفية الإسرائيلية. وهذا عامل مؤثر على وجه الخصوص خلال وبعد الانتفاضة الثانية، حيث كانت تتردد الكثير من مجموعات السلام واللاعنف الفلسطينية في العمل أو حتى التنسيق مع مجموعات السلام الإسرائيلية. فمع اندلاع الانتفاضة، ولأكثر من 14 شهرًا، قاطعت المنظمات غير الحكومية الفلسطينية (وفقًا لتعليمات من السلطة الوطنية الفلسطينية) أي شكل من أشكال النشاطات المشتركة مع مجموعات السلام الإسرائيلية. وقد تغير هذا الوضع على المستوى الرسمي للسلطة الفلسطينية، حيث هناك الآن تعاون مُرحَّب فيه، لكن المجتمع المدني بقي يرزح تحت رقابة صارمة من قبل أولئك الذين يرفضون مثل هذا التعاون غير المتكافئ الآن أو حتى في مستقبل أكثر مساواة. لذا، فقط المجموعات الأكثر راديكالية، مثل حركة أوري أفنيري غوش شالوم Gush Shalom ويش غفول Yesh Gvul وتعايش Taayush والفوضويين وبعض العرب من الأحزاب السياسية ما زالت تبدي استعدادها لتضامن غير مشروط أكثر من المكونات الأكبر لشبكة السلام الإسرائيلية/الفلسطينية التي تنشد المعاملة بالمثل في ظل وضع عام لامتكافئ. في الوقت الراهن، ما زال هناك عدد محدود جدًا من الإسرائيليين الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية في صفوف IDF و/أو في المناطق المحتلة. وقد دخلت مجموعات صغيرة بدون إذن من IDF من أجل التظاهر أيام الجمعة إلى قرى الضفة الغربية التي تواصل الاحتجاجات ضد بناء السياج/الجدار العازل. وعلى العموم تبقى هذه المجموعات هامشية، لكنها تشير إلى إمكانية عمل لاعنفي فلسطيني واسع النطاق. وللمفارقة، مثل هذا النشاط في القدس، حيث يمكن لكلا الجانبين أن يتفاعلا بحرية، هو في أدنى مستوياته. فالتعفُّف الإسرائيلي عن تحويل معرفتهم باللاعدالة بين العرب واليهود في هذه المدينة إلى "معرفة–فعل" وما هو محسوس لأن يكون تضامنًا أحادي الجانب بدون طلب المعاملة بالمثل يفشل في استيعاب هذا الوضع غير العادل. ومن جانب آخر، يخشى كثير من السكان العرب في القدس الشرقية فقدان وضع إقامتهم المتقلقل في حال مشاركتهم في الأعمال الاحتجاجية. استنتاجات ودروس من أجل المستقبل حتى الآن، يبدو أن معظم الإسرائيليين لا يستوعب الإشارات المتزايدة لاسترتيجية لاعنفية فلسطينية وليدة. فقد يكون من بالغ الصعوبة استيعاب ذلك في سياق تصور عميق الجذور لكفاح مهلك ضد عدو لدود متواطئ. فتغيير مثل هذا القناعة المسبقة أمر صعب للغاية، لاسيما عندما يُنظر إلى الرسائل الإيجابية على أنها دعائية ولا توحي بالثقة. وبتحديد أكثر، تُظهر النتائج التي توصلنا إليها: - تشير استطلاعات الرأي العام إلى أن الجمهور الإسرائيلي عمومًا جاهز لوضع حد للعنف ويميل إلى المصالحة. ونحن نعتقد أن تلقي الجمهور الإسرائيلي المزيد من الأعمال اللاعنفية سيقوي هذه الاتجاهات الإيجابية في المجتمع الإسرائيلي ويمدها بالدعم والفعالية. - قد يشير عدد قليل جدًا من التقارير عن الأعمال اللاعنفية الفلسطينية في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى ضرورة إيجاد طرق أخرى للتواصل مع الجمهور القاعدي اليهودي[18]. فالمصطلح "حدث يفرض إجراء" يتعلق بفعل رمزي مُستحث، حيث يعمل كمثير من أجل تركيز أعلى للانتباه. فبعد فترة ابتلى فيها كلا المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني بالعنف، حيث كان من الأسهل تصعيده بدلاً من تخفيفه، يمكن لعمل لاعنفي دراماتيكي أن يشكل مغادرة قاطعة من الدوامة الحالية للأعمال الانتقامية المتبادلة. وقد يكون من المحتمل استنهاض إجماع واسع ضد استهداف المدنيين الأبرياء في المرحلة الأولى، والدعوة إلى المعاملة بالمثل، أي إيقاف الإرهاب وإرهاب الدولة على حد سواء. ففي حين أن الحد من نطاق العنف ليس هو المكافئ للعمل اللاعنفي، إلا أن التناقص التدريجي للعنف يمكن أن يساهم في إيجاد أرضية مشتركة حول وسائل تنفيس حالة الاحتقان الراهنة. - سيتطلب إنجاز مثل هذه المهمة تعزيز الأنشطة اللاعنفية في كلا المجتمعين: في فلسطين كأداة لإنهاء الاحتلال؛ وفي إسرائيل من أجل تثقيف الإسرائيليين ليعاملوا الفلسطينيين ككائنات بشرية، مما يؤدي إلى أنسنتهم، وبالتالي معاملتهم بوسائل لاعنفية بدلاً من استخدام العنف ضدهم. - لم يكن هناك اتفاق بين الفلسطينيين حول تعريف السلام الفلسطيني الإسرائيلي ترابط اللاعنف مع بناء السلام، وتجنب قذف الحجارة في أنشطتهم المشتركة. فالبعض يعتبر اللاعنف هو مجرد الامتناع عن استخدام الأسلحة النارية، لكنهم يقبلون باستخدام الحجارة كوسيلة شرعية للتهويل أكثر من تسببها أذى جسدي. بعض المجموعات راضية عن إدارة تعليم لاعنفي وإجراء تدريب لاعنفي؛ ومجموعة رابعة تربط اللاعنف بمقاطعة الإسرائيليين، بما في ذلك مقاطعة معسكر السلام الإسرائيلي، وتدعو إلى عزل إسرائيل ومعاقبتها. وتشتت السياسات الحزبية في مثل هذه البانوراما غير الواضحة يجعل من الصعب على الإسرائيليين إبداء حسن نية للشعور بأنهم مشاركين في حركة مقاومة سلمية فلسطينية متنامية وموحدة. (CDCD، 2010) - الرد العسكري العدواني المتواصل من قبل IDF ضد الفلسطينيين والاحتجاجات المختلطة أمر مثير للقلق. وهذا ما يستدعي سؤال، هل يفتقد الجيش الإسرائيلي إلى الكفاءة بالكامل من أجل التعامل مع مقاومة لاعنفية؟ يُعتبر فك الارتباط مع قطاع غزة في العام 2005 مثالاً على قدرة IDF على الامتثال للأوامر بدون أن يرد بعدوانية على أعمال لاعنفية. التوتر الحاد القائم داخل إسرائيل يؤدي إلى إخلاء المستوطنات اليهودية وتفكيكها. لكن، وعلى الرغم من كل المشاق والعواطف والتعقيد، جرت عملية الانسحاب من غزة بعنف أقل بكثير مما هو متوقع. ومع ذلك، يُظهر الانسحاب من غزة قدرة IDF على الرد بشكل ملائم على مقاومة لاعنفية[19]. وهذا يجسد إمكانية تفادي تصعيد العنف. صحيح! ينطوي هذا السيناريو على: "IDF في مواجهة يهود آخرين" بدلاً من "IDF في مواجهة الفلسطينيين" ضمن الأراضي الفلسطينية، وردود أفعال أطول أجلاً تتمثل في تحد شعبي واسع النطاق مُنتظر. ويميز جين شارب (2005) تحولاً وسط المقاربات الأخرى إلى شن كفاح لاعنفي ناجح، مما يعني حصول تغير في عقل وقلب المضطهِد القوي يوصله إلى الموافقة على أهداف النشطاء والعمل من أجلها. "لا يهدف التحول ببساطة إلى تحرر المجموعة التابعة، بل أيضًا لتحرر المعارضين الذين يُعتقد أنهم مكبلين من قبل نظامهم وسياساتهم" (ص 416). - وكما في الحالات السابقة، قد يعمل المخربون من كلا الطرفي – بحافز ديني على الغالب – على تقويض المقاومة اللاعنفية والتعاون خلال العصيان المدني عن طريق التقسيم. لذا، قد تتواصل الأعمال الإرهابية المتفرقة على نحو متصاعد، والمهم هو الإدانة الواضحة والقاطعة من قبل قيادات المنظمات والدولة. - لقد حدث تغير ملحوظ عندما ركزت استراتيجية رئيس الوزراء فياض حول الدولاتية في غضون سنتين على اللاعنف [بناء اقتصادي ومؤسساتي، ودعم دولي]. وتتسارع الخطوات المتعلقة بقرار مقاطعة منتجات المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والزيارات المتقطعة للأماكن التي تواجه الاحتلال. على أية حال، يجب أن يكون هناك رسالة واحدة واضحة بأن المفاوضات الرسمية (أو بدونها) لا تحول دون استخدام متزامن للعقوبات اللاعنفية. - الحجة التي شايعتها حماس مؤخرًا حول سياسة التهدئة المؤقتة لا تتماشى مع الالتزام التام بالوسائل اللاعنفية، ناهيك عن عدم ترافقها مع تعديل واضح لهدف إنكار حق إسرائيل في الوجود. فبدلاً من اعتبار التهدئة مقاربة إلى اللاعنف، من الأفضل توضح الاختلاف مع لاعنف المقاومة السلمية. - تميل إسرائيل إلى التصعيد في الأعمال العنفية إلى مستويات عالية حيث تُظهر بشكل واضح تفوقًا في القوة. وفي حين اتسع العنف الفلسطيني في أغلب الأحيان ردًا على بدء القوات العسكرية والمستوطنين دورة العنف هذه أو تعاملها بعنف مفرط مع الأعمال اللاعنفية الفلسطينية (تكسير أذرع الفلسطينيين بقرار من رابين في بداية الانتفاضة الأولى، وعمليات القتل الواسعة المرتكبة بحق المتظاهرين الفلسطينيين في بداية الانتفاضة الثانية)، يبدو أنه ليس هناك من تغير سلوكي في المدى القريب لانطلاق حملة لاعنفية واسعة. فإحدى التحديات الرئيسية هي استمرارية اللاعنف الذي يواجه استفزازات وظروف معاكسة. - المقاومة السلمية في وضع لا متناظر هي أداة توازن بالنسبة للجانب الضعيف. وعلاوة على ذلك، التمركز حول أمن الشعب اليهودي ليس شعارًا أو مبررًا بل نتيجة لتاريخ طويل من التهديد الوجودي. لذا، وعلى الرغم من الندرة الظاهرية للمعاملة بالمثل في مقاومة الاحتلال، المواطنون الإسرائيليون المعنيون حولوا مسار التزامهم، ولو أنه بأعداد متناقصة، إلى أهداف مشتركة من خلال الانخراط في منظمات حقوق الإنسان والسلام. لكن الرفض لاستخدام إسرائيل للوسائل العسكرية كان وسيبقى ضئيلاً. فالتمكين اللاعنفي الفلسطيني سيجبر أعدادًا أكبر من المواطنين الإسرائيليين على النظر في المرآة بتمعن بدلاً من مقاتلة الفلسطينيين. "عندما تتحدث مع العدو، مع إسرائيلي، سيتساءل أبناء شعبك فيما لو كنت خائنًا"... "لكنك لا تستطيع فقط التحدث إلى العالم أو فلسطينيين آخرين، بل عليك إخبار الإسرائيليين بما يحدث" (عوض، 88). خلاصة القول، يشير بحث أُجري بخصوص الانتفاضة الأولى، وكما دراسات أكثر حداثة، إلى أهمية وجود هدف واضح – سلام دائم – لعرضه على الإسرائيليين في حين تتواصل المقاومة فقط من خلال الوسائل السلمية. لكن قد لا تُترجَم الأفعال دائمًا في الاتجاه المقصود. يجب أن نثني على العمل المتواصل والدؤوب الذي تقوم به حفنة من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في مجال التدريب على العمل اللاعنفي والتصرف بناء عليه، إضافة إلى نشره إلى الشركاء الإسرائيليين. لكن ضعف التنسيق بين الطرفين، وعدم قدرتهما على إقناع حكومتيهما والقوى السياسية، مثل فتح، على مباركة مثل هذه الجهود علنًا هو مصدر متأصل للضعف من الضروري التغلب عليه. فالإعلانات المتفرقة الراهنة، بقدر أهميتها، لا تتراكم في الذهن الإسرائيلي بحيث تشكل قوة موازية للأعمال الإرهابية الماضية ضد السكان المدنيين الإسرائيليين. وفي حين أن الأغلبية من كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، مستعدة للقبول بحل الدولتين، إلا أن تشاؤمهم إزاء رؤية هذا الحل مُتحققًا خلال حياتهم يجعل منه هدفًا طوباويًا بعيد المنال. فالسلام كغاية يمكن تعزيزه بالوسائل السلمية. والنضال اللاعنفي يمتلك العناصر البرهانية لإثبات أن النضال من أجل حل عادل يمكن يُدار على نحو بطولي بمثل هذه الوسائل. وقد يكون من المحتمل تمييز تقدم ضئيل لكنه هام في النقاش والأعمال المحدودة نحو تظهير من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل للنضال اللاعنفي الفلسطيني. بعد فترة كان العنف فيها يصيب كلا المجتمعين، حين كان التصعيد أسهل من التهدئة، يمكن أن يشكل عمل لاعنفي دراماتيكي مغادرة واضحة وقاطعة من الدوامة الحالية للأعمال الانتقامية المتبادلة. ربما يكون من المحتمل بناء إجماع واسع ضد استهداف المدنيين الأبرياء في المرحلة الأولى، والدعوة إلى المعاملة بالمثل، أي إيقاف الإرهاب وإرهاب الدولة على حد سواء. وفي حين أن الحد من نطاق العنف ليس مكافئًا للعمل اللاعنفي، فإن التناقص التدريجي للعنف يمكنه المساهمة في إيجاد أرضية مشتركة لوسائل تنفيس الوضع الراهن. يقترح أبو سارة (2009) التعلم من حركة الحقوق المدنية الأمريكية: لقد ناشد الدكتور كنغ إلى الوعي الأعمق للشعب الأمريكي. استشهد بالمعايير العليا للقيم الأمريكية: الدستور وكتابات الآباء المؤسسون. وهكذا وصلت نداءاته إلى الملايين من الشعب الأمريكي ولاقت صدى في قلوبهم وعقولهم. وبالطريقة ذاتها، بوسع الفلسطينيين الوصول إلى قلوب وعقول المواطنين اليهود في إسرائيل من خلال مناشدة آمالهم ومخاوفهم، مثُلهم ومبادئهم. لكن نظرًا إلى أن إسرائيل ليس لديها دستور، فهذا يستدعي مناشدة الكتب المقدسة العبرية والتقاليد اليهودية. وبتقديم الأخلاق والمعايير والمعتقدات اليهودية في ضوء جديد، بوسع الفلسطينيين أن يجعلوا حججهم أكثر سماعًا من قبل الإسرائيليين. على سبيل المثال، تلاقي كلمات النبي أشعيا صدى، وبشكل خاص عندما يقرأون في صلاة يوم الغفران: "أليس هذا النوع من الصيام الذي اخترت: للتحرر من سلاسل الظلم وفك حبال النير، لجعل المضطهد حرًا وتحطيم كل نير؟""[20]. يمكن أن تكون مثل هذه الرسالة حقًا نداء صحوة هائلة للإسرائيليين؛ إنها تصدم الإسرائيليين في صميمهم، في ذاكرتهم الجمعية اليهودية. إنها تقر بصحة التجارب الماضية ضد القسوة المذكورة. وهذا أمر حاسم في كسب اهتمام الإسرائيليين وإظهار مستوى من الاحترام. ويجب أن يكون هناك أيضًا دعوة للانضمام إلى كفاحهم، حيث هناك إدراك بأن القضية الفلسطينية هي أيضًا مصلحة إسرائيل في الأمن. والرسالة صريحة في أثر الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، مما يجبر الإسرائيليين على التفكر في سلوكهم. أخيرًا، ربط الوسائل والغايات يستخلص بربط المعتقدات اليهودية بقيم العدالة والمساواة لتذكيرنا جميعًا بأنه من المحتمل قيام دولتين تتعايشان بسلام جنبًا إلى جنب. 23-2-2011 *** *** *** الأعمال المستشهد بها 1. محمد أبو نمر، اللاعنف وبناء السلام في الإسلام. مطبعة جامعة فلوريدا، 2003. 2. محمد أبو نمر، الحوار والتوافق الوطني: الإسرائيلي والفلسطيني. 3. مركز الديمقراطية والتنمية المجتمعية CDCD، وديمقراطية الشرق الأوسط واللاعنف MEND، محاضر ورشة عمل حول الاستراتيجيات اللاعنفية في فلسطين، 18-11-2010. 4. نشطاء السلام قبل مؤتمر مدريد: معضلات إسرائيلية وفلسطينية. 5. نشطاء السلام. ك. آفروش (تحرير)، كتب حول إسرائيل، نيويورك: مطبعة SUNY، 1997. 6. زياد أبو زيَّاد، قوة اللاعنف، هآرتس، 3 حزيران 2010. 7. مبارك عوض، المقاومة اللاعنفية: استراتيجية من أجل المناطق المحتلة. 8. مطبعة جامعة كاليفورنيا: مجلة دراسات فلسطينية، مجلد 13، عدد 4، 1984، ص 22- 36. 9. جي غالتونغ و تي هويفيك، العنف البنيوي والمباشر – ملاحظة حول النزعة العملياتية، مجلة بحوث السلام، مجلد 8، عدد 1، 1971، ص 73 – 76. 10. مارك غوبِن، عدم التعاون يمكن أن يحدث ثورة في الأرض المقدسة. بحث لخدمة أخبار الأرضية المشتركة. 26 آذار 2009. 11. انقلاب حماس في غزة: تغيير أساسي في السياسة الفلسطينية. IISS: المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. مجلد 13، إصدار 5، حزيران 2007. 12. ميثاق حماس 1988: ميثاق حركة المقاومة الإسلامية. مشروع أفالون: وثائق في القانون والتاريخ والدبلوماسية. كلية حقوق ييل: مكتبة قانون ليليان غولدمان. 16 أيار 2009 http://avalon.law.yale.edu/20th_century/hamas.asp. 13. جيروزاليم بوست، 23 شباط 2011، ل. ديرفنِر، الناس يستعدون – ثمة قطار قادم. 14. يوعاف كارني، الخيارات المصيرية: العنف واللاعنف في كفاحات الأمم الصغيرة من أجل الاستقلال، ورقة عمل، معهد الولايات المتحدة للسلام، واشنطن العاصمة، 2005. 15. إدي كوفمان، العنف المحدود والانتفاضة، مجلة دراسات عربية، (خريف 1990)، مجلد 9، عدد 2، ص 109 – 121. 16. إدي كوفمان، تصورات إسرائيلية عن "العنف المحدود" الفلسطيني في الإنتفاضة. مجلة الإرهاب والعنف السياسي، مجلد 3، عدد 4، (شتاء 1992) , ص 1 – 38. 17. إدي كوفمان وأوهاد إيلون، فعالية العمل اللاعنفي عاودت حضورها، ورقة عمل، مركز التنمية الدولية وإدارة النزاعات، جامعة ميريلند، 2001. 18. إدي كوفمان، ولوسي نسيبة (محققان رئيسيان)، إمكانية قصوى من الدعم من أجل العمل اللاعنفي في كلا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي: دراسة جدوى ما قبل الفعالية (2003-2004)، (مشروع بحث برعاية الاتحاد الأوروبي). 19. إدي كوفمان، تصورات إسرائيلية عن العنف الفلسطيني – تقرير ختامي حول مجموعات الاهتمام، (مقدم إلى مركز اللاعنف والديمقراطية في الشرق الأوسط من معهد هاري ترومان، الجامعة العبرية، القدس، 2003). 20. إدي كوفمان ووليد سالم وجولييت فِرهوفن، تجسير التقسيم: بناء السلام في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، شركة بولدر: منشورات لين رينر، 2006. 21. إيزابيل كيرشنر، عباس يرفض دعوة إسرائيل بأنها دولة يهودية، 28 نيسان 2009. نيويورك تايمز، 16 أيار 2009. 22. إيزابيل كيرشنر، عباس يحث على 'بداية جديدة' في مؤتمر فتح، نيويورك تايمز، آب 2009. 23. جاك خوري، مسؤولو فتح يحذرون من انتفاضة فلسطينية ثالثة، هآرتس، 20 تشرين الثاني 2009. 24. ماري إليزابيث كنغ، ثورة هادئة: الانتفاضة الأولى والمقاومة اللاعنفية، نيويورك، 2007. 25. تشارلز كراوثامر، مناورة 'سلام' حماس، واشنطن بوست، 9 أيار 2009. 26. جوناثان كُتاب، لماذا الحملة اللاعنفية فعالة؟ المقاومة اللاعنفية في فلسطين: السعي من أجل استراتيجيات بديلة، CPAP، آذار/نيسان 2003. 27. تيم ماكغيرك، مؤتمر فتح يدعم عباس، لكن السلام قد يبقى بعيد المنال، مجلة تايم، 12 آب 2009. 28. شاؤول ميشال، مازا دورون، انتفاضة بيضاء، هآرتس، 10 شباط 2002. 29. اللاعنف – أسئلة وإعداد استراتيجية من أجل فلسطين – وثيقة ختامية لورشة عمل انعقدت في 28-11-2010، في مركز الهلال الأحمر في البيرة (يمكن الحصول عليها من مركز الديمقراطية والتنمية المجتمعية). 30. متنافسون فلسطينيون: فتح وحماس، 17 حزيران 2007. BBC News، 15 أيار 2009. 31. دليل السلام (مسح شهري، مركز تامي شتاينمتز لبحوث السلام، تل أبيب، http://www.spirit.tau.ac.il) 32. بلال صعب، ما بعد غزة. Chathm House: التفكير المستقل حول الشؤون الدولية. شباط 2009. 9 – 10. 33. جين شارب، سياسة العمل اللاعنفي. مجلد 3. ب. سارجينت، بوسطن. جين شارب، شن الكفاح اللاعنفي: الممارسة في القرن العشرين والإمكانية في القرن الحادي والعشرين. بوسطن، منشورات بورتر سارجينت المحدودة، 2005. 34. جين شارب و جميلة رقيب، التحرر الذاتي: دليل إلى تخطيط استراتيجي من أجل العمل على إنهاء الديكتاتورية أو أشكال الاضطهاد الأخرى، بوسطن، مؤسسة ألبرت آينشتاين، www.aeinstein.org، 2009. 35. خليل شقاقي، مستقبل فلسطين، شؤون خارجية، مجلد 83، عدد 6، تشرين الثاني/كانون الأول 2004، ص 45-60. 36. آفي شلايم، الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي، نيويورك: W. W. Norton & Company, Inc., 2001. 37. ماريا جي ستيفان، الكفاح من أجل دولة: دور المقاومة القائمة على أساس مدني في تيمور الشرقية وفلسطين وحركات تقرير المصير في كوسوفو الألبانية، منتدى فليتشر للشؤون العالمية، مجلد 30 : 20، صيف 2006، ص 57-77. 38. نانسي ستوهلمان، ولورين علاء الدين، مباشر من فلسطين: العمل المباشر الدولي والفلسطيني المناهض للاحتلال الإسرائيلي. كامبردج، MA: South End Press, 2003. 39. سليم تعمري، معضلة الانتفاضة، MERIP تقرير الشرق الأوسط، أيار/حزيران 1990، ص 4. ترجمة: غياث جازي ٭ نتقدم بجزيل الشكر إلى جين شارب على تعاليمه، وبشكل خاص لتقديمه نقدًا غنيًا وتصويبات مفصلة للمخطوطة الأولى لهذه المقالة. [1] كوفمان، إدي ولوسي نسيبة (محققان رئيسيان)، إمكانية قصوى من الدعم من أجل العمل اللاعنفي في كلا المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي: دراسة الجدوى ما قبل الفعالية (2003-2004)، (مشروع بحث برعاية الاتحاد الأوروبي). البيانات الكاملة المُجمَّعة عن الجانب الإسرائيلي متوفرة حين الطلب. [2] تاريخيًا، كانت ترجح كفة ردود الأفعال اللاعنفية للفلسطينيين على كفة نقيضها، ماعدا بعض الفترات الزمنية القصيرة التي تفشى فيها العنف. هذه الفترات القصيرة هي: من النصف الثاني من العام 1936 حتى العام 1939 (سنتان ونصف تقريبًا)، من تشرين الثاني 1947 حتى أيار 1948 (6 أشهر)، من العام 1965 حتى العام 1974 (تسع سنوات) أي ما مجموعه 12 سنة خلال فترة زمنية تمتد من العام 1917 حتى العام 1993. وبعد العام 1994، ترافقت الأفعال اللاعنفية مع العنفية ضد الاحتلال. [3] سليم تعمري، معضلة الانتفاضة، MERIP تقرير الشرق الأوسط، أيار/حزيران، 1990، ص 4. [4] تصنيف الأحداث العنفية واللاعنفية أخذ بالحسبان مختلف التصورات لما هو وما ليس هو عنفًا بالفرز وفقًا للعنف الفعلي المُتحقق. بمعنى: مظاهرات مع عنف = حدث عنفي، مظاهرات = أحداث لاعنفية. [5] كيرشنر، إيزابيل. "عباس يحث على 'بداية جديدة' في مؤتمر فتح. نيويورك تايمز، 8/5/2009. [6] دليل السلام – استطلاع جامعة تل أبيب، آذار 2008. إفرايم ياعر وتمار هيرمان. [7] يشير مارك غوبن، "يمكن لعدم التعاون أن يحقق ثورة في الأرض المقدسة".. "المقاومة اللاعنفية تختزن إمكانية رفع وعي النضال الفلسطيني وتوضيح النوايا وتكذيب المخربين من كلا الطرفين. وعلى الرغم من الشك بأن هذا سيُقابَل سلبيًا في البداية من قبل المجتمع الإسرائيلي، فإن حركة مقاومة فلسطينية منفردة ملتزمة باللاعنف كفيلة بتعديل الروح الإسرائيلية وتبديد نزوعاتها. وهكذا يتم بناء الثقة بين المجتمعين مما يؤدي إلى حل دولتين دائم. [8] نتائج تحليل مجموعة الاهتمام الأكاديمية، معهد ترومان 2003. [9] مقالة هآرتس http://www.haaretz.com/hasen/spages/1075465.html. على أمل أن توضح هذه النتائج نوايا كل طرف وتوجهاته في المستقبل. ويصرح جون ماركس، رئيس SFCG: "إننا نعتقد أن هذه النتائج تعكس الواقع، لكن لا يتم إدراكها على أنها إمكانية لأن يلعب اللاعنف دورًا في إنهاء الدورة المفرغة من إراقة الدماء". [10] استطلاع خطط له وأشرف عليه الدكتور يعقوب شامير، أستاذ الاتصالات والصحافة في الجامعة العبرية، والكتور خليل الشقاقي، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. [11] لم يُحضِّر IDF بشكل كاف لمواجهة الأعمال اللاعنفية. يروي أحد الجنود: "أذكر عندما كنت مجندًا جديدًا في IDF، وكنت أخدم في نِباتا، بدأت مجموعة من الفلسطينيين السير صوبنا متماسكي الأيدي، وهذا ما جعلني أواجه معضلة كبيرة؛ لم يكونوا عنيفين...". "الجنود لا يعرفون كيف يردون عندما لا يكون هناك تهديد لحياتهم... IDF لا يعرف كيف يتعامل مع الأفعال اللاعنفية...". [12] جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل ACRI، على سبيل المثال، تقدمت بطلب إلى شاتيل لتطوير نموذج نضال بنَّاء للحد من التصعيد والعنف عند نقاط التفتيش، نموذج يكون بوسع ACRI تطبيقه في عملها مع سياسة الحدود: تامي روبل (شاتيل)، حايم عمر، وناشي ألون (جامعة تل أبيب) – التفكير الاستراتيجي واللاعنف في انسحاب إسرائيل من غزة. [13] مراسلو Ynet 3/19/2009. http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3685953,00.html [14] علي واكد وعنات شالِف 17/4/2009. http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-3702569,00.html. [15] آفي إساشاروف وأنشل بفيفر ورويترز، 5/6/2009. http://haaretz.com/hasen/spages/1090697.html [16] لم يمتثل الجيش حتى الآن للحكم بتغيير مسار الجدار؛ لقد أُعيق الطريق الجديد المحدد بدقة بالتقاضي. وفي هذه الأثناء، بدأ الجنود يردون بقوة مفرطة على الاحتجاجات، وتم اعتقال 28 من قادة الاحتجاجات والمشاركين فيها في منازلهم من خلال غارات ليلية والتي بدأت في حزيران. وقد تم التحفظ على 17 منهم، ويواجه خطيب تهمًا بالتحريض على العنف. [17] يُرى جيشان للعنف اللفظي والجسدي كما هو متوقع، لكن بناء الفيلم لا يجعل من الواضح فيما إذا ستكون "النهاية سعيدة"، والمشاهدون قلقون بأن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة، ومهتمون من أجل كلا الطرفين. ويمكن أن تصبح مؤيدًا للطريقة بدون التفكير بالموضوع مسبقًا، فقد تود أن يحالف النجاح أهالي بدرس. فهناك إعجاب بالأب والبنت. ورمي الحجارة لا يشكل عقبة رئيسية، بل يعطي مصداقية للفيلم، وبوسع الكثيرون أن يتفهم أن الجيل الشاب يمكن أن يكون أكثر تمردًا، ناهيك عن عن محاولة القادة اللاعنفيون إيقاف هذا الفعل وهم متأسفون؛ وهذا ما يضفي شعورًا بالأصالة. وتتوفر مراجعات للفيلم مترافقة مع مواد تربوية على موقعه: www.justvision.org [18] في محاضرة في معهد ترومان حول موضوع اللاعنف، أعاد يوهان غالتونغ التأكيد على أهمية السلسلة، أو الترابط ضمن كل طبقات المجتمع المقاوم والتواصل مع الناس في المجتمع الآخر. وذكر بعامل السلسلة باعتباره مساهمًا رئيسيًا في نجاح كفاح غاندي لتحرير الهند من الاحتلال البريطاني. [19] عن تشارلز ليفينسون، خصوم إسرائيل يتبنون تكتيكات مقاومة جديدة، وول ستريت جورنال، 2 تموز 2010. [20] يضيف أبو سارة: يجب أن يحتكم الفلسطينيون أيضًا إلى المُثُل الديمقراطية الإسرائيلية. ففي حين تؤكد إسرائيل على إيمانها بالحرية وحق تقرير المصير، يجب أن يصر الفلسطينيون على أن تلتزم إسرائيل بمُثُلها الخاصة. وهذا يعني تسليط الضوء على أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تجيز احتلال أراضي الآخرين واضطهادهم. فالكفاح الفلسطيني يتشارك بالكثير من أوجه الشبه مع التاريخ الإسرائيلي؛ فمن القتال من أجل الوجود إلى تجربة الشتات، كان اليهود والفلسطينيون يتوقون إلى وطن حر وآمن. وضع الرابي والبروفيسور غوبن نفسه محل نظير فلسطيني: "سأجلس عند هذا الحاجز، في هذا المطار، لأنني أنتظر أن تعاملني بكرامة ومساواة. أعرف أنك بوسعك ذلك بوصفك ابن ابراهيم، وناجٍ من الظلم والوحشية بمفردك، وسليل حضارة نبيلة. أعرف أن قوانينك تأمرك بإطاعة الأوامر، بتوجيه سلاحك نحو أطفالي وإرهابهم، وأن تجبرني على التعرِّي وانتهاك جسدي. لكن قوانينك ظالمة، وبوسعك خرقها والانضمام إلينا... أعرف أنك أشدت جدارك الأمني، وأنا أريد أيضًا أن يكون أطفالك آمنين. لكن لا يمكنك استخدام جدارك ذريعة لسلبي المزيد من أراضي، كمبرر للتهرُّب من الاعتذار مني لما قد سببته لي من أذى طوال ستين عامًا. انضم إلي وسنقاتل معًا في سبيل السلام والعدالة، وسنتفاوض، لكني لن أسمح لك بعد الآن أن ترشوني، أن تشتريني، أن تحصصني، أو تذلني. أطلق النار علي إن كنت تريد الامتثال للأوامر، أو انضم إلي إن كنت تريد إعادة التعرُّف على معتقداتك وقيمك اليهودية. وسوف أكون كريمًا كما كان النبي محمد؛ سأكون كما هو كان فحسب؛ سأرحب بك في بيتي، كما فعل، لكن حان الوقت لكي تنظر إلي كند، كأخ، ومن ثم سيجد كل أمر آخر حلاً له. بوسعك أن تأخذ إسرائيلك، ونأخذ نحن فلسطيننا، وسوف يرينا الله الطريق للقيام بهذا بسلام وعدالة".
|
|
|