يقدِّم الشاعر والكاتب الفرنسي الكبير جان كوكتو
(1889 – 1963)
في واحدة من أشهر مسرحياته (وأفلامه) التي أخرجها عام 1948، النسر ذو الرأسين،
قصة حبٍّ أسطورية بين ملكة كانت تعيش في قلب عزلة أحزانها، لأنها فقدت في ليلة
زفافها زوجها الذي كانت تحبُّه، وبين شاب فوضوي معاد للملكية يدعى ستانيسلاس، اخترق
مخدعها ذات ليلة من أجل قتلها، فرأت فيه صورة حبيبها الراحل كما رأى هو فيها أميرة
أحلامه. ويجتمع الحبيبان، وتتحول الملكة إلى ثورية وفوضوية ويتحول الثوري إلى مؤيد
للملكية. لكن الأجواء المحيطة بهما، لنقل البلاط، لا يمكن أن يسمح لقصة حب كهذه أن
تكتمل. فتكون النهاية أن ينتحر ستانيسلاس من أجل أن تبقى ملكته على رأس مملكتها
وتقتل الملكة نفسها بيده من أجل أن تلتحق به إلى عالم الموت الذي سيجمعهما إلى
الأبد.
وأتساءل وأنا أعاود قراءة هذه القصة الحزينة لماذا اختار جان كوكتو النسر ذو
الرأسين عنوانًا لمسرحيته؟
نموذج باسيفاي ونموذج أريادن في الأسطورة
إن أسطورة ثيسيوس وأريادن هي ملحمة حقيقية، وتبدأ في علاقة بين مينوس وبوسيدون،
إله البحار ومزلزل الأرض. والغريب أن مينوس فعل ما يفعله الإنسان على نحو دائم،
وهو الإخلال بوعده للآلهة، وهنا نراه يخلُّ بوعدِه لبوسيدون. وفي الواقع هي
خطيئة هائلة أن يُخلِف الإنسان بوعوده أمام الآلهة، الأمر الذي يترتَّب عليه
تبعات وخيمة. وإن ما يسميه المسيحيون بـ "حفظ وصايا الرب" هو عبارة في غاية
الأهمية، ذلك أنها لا تعني حفظها كما نحفظ قصيدة أدبية أو نظرية حسابية، وإنما
تعني الالتزام بوعودنا تجاه الآلهة، لأن خيرنا يكمن في هذا الالتزام، في حين
الإخلال بهذه الالتزامات يقود إلى خلل عميق في الشخصية، قد يؤدي إلى سلسلة صدوع
في أركانها، ومن ثم يأتي بوسيدون ليزلزل هذه الشخصية ويزعزعها، وهذا هو غضب
بوسيدون!!