|
علم نفس الأعماق
يدرس هذا المقال مسألة الأنا the ego بوصفها، حسب مفهوم فرويد، ماهيةً نفسانية تضمُّ ماهيتين نفسانيتين أخريين: الأنا الغائبة the id التي تكمن في المستوى الأدنى (للأنا) والأنا العليا the super-ego التي تستقرّ في المستوى الأعلى (للأنا). إذ ينبني تمثيل النفس بأبعاده الثلاثة هذه في الأساس على ذلك النظام الثلاثي الذي سبق أن تمّ وضعه ليشمل اللاوعيَ وماقبلَ الوعي والوعيَ. فمن خلال الإشارة إلى حتمية الصراع المتبادل بين ظاهرة الدمج وظاهرة عقدة أوديب، سيضع المقال، عندئذ، التوكيد على النواحي التطورية للأنا من حيث العلاقة التي تنشأ بينها وبين الماهيتين النفسانيتين الأخريين (الأنا الغائبة والأنا العليا). بناء على هذا التوكيد، سيتطرّق المقال إلى إمكانية السير المتوازي لعمليتي التطور اللبيدي وتطور الأنا وسيتطرّق، من ثمّ، إلى "العواقب" النفسانية لهذا التوازي. ووفقًا لذلك، سيعالج المقال مسألة الاتكال المتبادل الذي يحدث بين الماهيات النفسانية الثلاث هذه من منظورَي مقدار الوعي واحتواء الدوافع الغرَزية، ليصار إلى اقتفاء تطور محتويات الأنا من "الحالة القبْلية" للنفس (أي الحالة التي تشير إلى ما يقبع في "دُكنة" الأنا الغائبة) إلى "الحالة البَعْدية" للنفس (أي الحالة التي تشتمل على "رقابة" الأنا العليا).
قيم التحليل النفسي الفرويدي وغاياته: مثّل التحليل النفسي تعبيرًا مميزًا عن أزمة الإنسان الحديث الروحية ومحاولة لإيجاد حل لها في الوقت ذاته. ويتجلى هذان الجانبان على نحو واضح في التطورات التي شهدها التحليل النفسي باتجاه ما أُطلق عليه اسم التحليل النفسي "الإنسانوني" أو "الوجودي". غير أنني قبل أن أعرض لمفاهيمي "الإنسانوية" الخاصة، أريد أن أبين أن منظومة فرويد، على النقيض من الافتراض الشائع، هي منظومة تتعالى على مفهوم "المرض" و"المداوة" وتُعنى بـ"خلاص" الإنسان، لا بعلاج المرضى الذين اختلت عقولهم وحسب. فحين ننظر نظرة سطحية، يبدو فرويد بوصفه مبدعًا لعلاج جديد للمرض العقلي، ويبدو وكأنه قد كرَّس لهذا الأمر اهتمامه الأساسي وجُلَّ جهوده. أما حين ننظر عن كثب، وبمزيد من التمعن، فإننا نجد خلف مفهوم المعالجة الطبية الهادفة إلى شفاء مرض العُصاب اهتمامًا مغايرًا تمامًا، نادرًا ما عبر عنه فرويد، وربما نادرًا ما كان واعيًا حتى بالنسبة له. وهذا المفهوم الخفي، أو الضمني، لا يُعنى في المقام الأول بمداواة المرض العقلي، بل بشيء يتعالى على مفهوم المرض والمدواة. فما هو هذا الشيء؟ وما هي طبيعة "الحركة التحليلية النفسية" التي أسسها فرويد؟ وما هي رؤية فرويد لمستقبل الإنسان؟ وما هي العقيدة أو "الدوغما" التي قامت عليها حركته؟
الإنـصـات الإنصاتُ إلى الأولاد... لا رصدُهم كموضوع بحث، ولا السعيُ إلى تأديبهم، بل أن يُحترَمَ فيهم هذا الجيلُ الجديدُ الذي يحملونه ويُحَبَّ. هل لنا أن نعرف يومًا إلى أيِّ حدٍّ ننصت من دون غش، من دون أن نُقحِمَ أنفسَنا، من دون أن نشوِّش على الموجات؟ ليس لنا أن نفرض على الأولاد شيئًا. فكرتي أنه ليس ثمة إلا طريقة واحدة لمساعدتهم: بأن نكون حقيقيين وبأن نقول للأطفال إننا لا نعرف، لكن عليهم هم أن يتعلموا المعرفة؛ إننا لا نصنع مستقبلهم، لكنهم هم الذين سيصنعونه، وذلك بأن نَكِلَ إليهم دورَ الاضطلاع بمصيرهم تمامًا مثلما يريدون هم أن يضطلعوا به. لكننا، للأسف، نؤثر فيهم أيضًا، حتى من غير أن نقصد. حيال طلبهم نتصرف وفقًا لآليات ناجمة عن تَرِكَةٍ وراثية وإشراط اجتماعي، نذعن لدوافعنا، لأمزجتنا، للضغوط الخارجية. لكن الأغلاط تجرح أقل عندما يكون مصدرَها الحبُّ الأخرق، عندما توجِدُ الثقةُ والاحترامُ المتبادلان مناخَ التفاعل. وإنه لمن الموفَّق الاهتمام لإيجاد "أماكن تربية". لكن من الخطأ أن نَكِلَ إلى الشخص نفسه العملَ التحليليَّ النفسيَّ مع الطفل ووظيفةَ مربي الطفل. إن اختلاط الدورين قد تسلَّل؛ وهذا لمما يؤسف له أشد الأسف، لأن المقترَبين متعاكسان.
|
|
|