|
رسالة من المعتقل
فيما يلي مقتطف من رسالة كتبها السجين السياسي الفلسطيني والناشط القيادي في المجتمع المدني أمير مخول. وقد كتبها ردًّا على بطاقة إلكترونية تضمنت صورة لمنارة (أو لفنار) أرسلها المساهم في موقع الانتفاضة الإلكترونية أدري نيووف. وقد تم اعتقال مخول الذي هو مواطن إسرائيلي، ومن عرب 1948، من منزله يوم السادس من أيار 2010، كما تمَّ عزله ورفض السماح له بمقابلة محاميه أو عائلته لمدة اثني عشر يومًا بعيد اعتقاله. وقد لفَّقت الحكومة الإسرائيلية لمخول تهمة التجسس والتعامل مع العدو في زمن الحرب، ما يعني حكمًا بالسجن مدى الحياة. وأيضًا، كما يقول مخول، استعملت السلطات الإسرائيلية معه بعيد اعتقاله طرائق تحقيق قاسية سببت له أذى نفسيًا وجسديًا. في الشهر الماضي، وافق مخول على عقد صفقة تسمح له بتجنب السجن لمدى الحياة. وهو الآن ينتظر حكمًا بالسجن يتراوح ما بين السبعة إلى عشرة سنوات. * المنارة هي صورة مستوحاة، وقد استوحيتها هنا في السجن، وبنيتها في مخيلتي، لأنه من غير المسموح بالنسبة لي أن أستخدم الفراغ. لكني ما زلت أملك عقلي بالكامل، وهذا ما جعل الفنار جزءًا من رؤيتي ومن حلمي بالحرية والكرامة الإنسانية. تقع المنارة خارج السجن، أمَّا دور المرساة فهو تأمين التجذُّر والأمان. وأنا في حاجة للاثنين معًا – أنا في حاجة إلى الفنار ليعطيني توجهًا لرؤيتي، بينما تمكنني المرساة من فهم أين هو مكاني الحالي. وأنا في حاجة لأن أكون متوازنًا وواقعيًا كي أتمكن من العمل ضمن واقع يفتقد للتوازن بالكامل. وأنا في حاجة إلى أن أتحدى وإلى أن أتغير. أنا في حاجة، جميعنا في حاجة، لأن نتغير. والمنارة تبين لي كيف وإلى أين ومن أجل ماذا. ليس من السهل امتلاك العنصرين، وخاصة بالنسبة للسجناء "الجدد" من أجل الحرية؛ فأنا ما زلت أصنَّف بالجديد رغم أنه قد مضى ما يقارب النصف عام على اعتقالي. فالعديد من السجناء قضوا ما يقارب الـ"23" إلى "24" عامًا. لذلك أعتبر جديدًا نسبيًا هنا. لكن بالنسبة لي، فإن كلَّ يوم يمر هو وقت طويل جدًا، مع كل ما يتضمنه من عذاب ومن تفكُّر في واقع كوني فلسطينيًا في وطني. كما أن تبيان براءتي هو أمر غير مقبول بالكامل من قبل المحكمة الإسرائيلية، فالآلاف من الحالات تبين أن عدد الفلسطينين الذي أطلق سراحهم لبراءتهم يقارب الصفر. فالفلسطينيون مدانون – تلك هي القناعة الوحيدة. لقد قامت الشاباك (وهي الهيئة الإسرائيلية المسؤولة عن الأمن الداخلي، والمعروفة أيضًا بالشين–بيت) بتسجيل 30000 من مكالماتي الهاتفية ومن مكالمات من يتصل بي، كما قامت بمراقبة صارمة لكل رسائلي الإلكترونية ولاتصالاتي على السكايب وعلى الإنترنت وفي وسائل الإعلام الإلكترونية، وأعلنوا في المحكمة أنهم لا يمتلكون أية دلائل ضدِّي. لكن، استنادًا إلى خبرتي، وإلى تجربة 7000 سجين فلسطيني في السجون الإسرائيلية، فإن عدم امتلاك الشاباك للدليل لا يعني نهاية اللعبة. حيث لديهم سلاحهم السرِّي، ذلك الذي اسموه "دليلاً سرِّيًا". وقد قدَّموه للقضاة. لكن لا أنا، ولا المحامين الموكلين من قبلي، سُمح لهم بمعرفة أي شيء حوله. لأن النظام الإسرائيلي لا يوجه اللوم أبدًا إلى الدولة أو إلى الشاباك إنما يوجهه دائمًا إلى الضحية الفلسطينية. كما أن الاحصاءات والتجربة بينت أنه من دون عقد صفقة مع المدعي العام فإن مدة الحكم ستتضاعف! ما يعني أن عدم وجود أدلة ليس هو الطريق إلى الحرية. فإسرائيل لن تسمح البتة لمحكمتها بإعلان براءتي. وفي المقابل، يعتبر كل صديق عربي لأي لاجىء فلسطيني أو لأي شريك عربي "عميلاً خارجيًا" بالقوة. فدور الدولة هو توجيه اللوم بينما دور الضحية هو أن تبرهن براءتها. وأنا لدي العديد العديد من الأصدقاء والشركاء في العالم العربي، ومن بين الناس هنا وفي الشتات. وليست لدي أية أوهام، لكني أملك ما يكفي من الطاقة كي أناضل من أجل الحرِّية ومن أجل الكرامة. ترجمة: أكرم أنطاكي *** *** ***
|
|
|