<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

رأس العين: بداية الحرية أم نهاية ذاكرة؟

بسام شاغوري

 

لا يوجد في العالم بأسره إلا نبع واحد لمياهه رائحة ذكية، هو نبع الخابور... وذلك لأن أتارغتيس[1] أستحمت به، بحسب الأساطير.
بلين القديم[2]

 

يقع هذا النبع في رأس العين التي كان سكانها يعتقدون بالفعل أن الإلهة السورية أتارغتيس، إلهة المياه والينابيع، كانت تأتي للاستحمام في ينابيع هذه المدينة فتعطي من جسدها الجمال وعذوبة المياه والرائحة العطرة والورود والنباتات بل وحتى الأسماك الوفيرة في الخابور.

وهذه المدينة التي ينحدر أسمها من الآرامية ("ريش عينا" وتعني رأس العين)، كانت فعلاً في القديم، مثل ضفاف الخابور، مزدهرة ومليئة بالبساتين والنباتات والعرائش، بحسب ما وصلنا من المؤرخين القدامى من اليوناني الناطق باللاتيني "أميان" (القرن السادس) وحتى اليوناني الناطق بالعربي ياقوت (القرن الثالث عشر)، مرورًا بالسراخسي (القرن العاشر) والرحالة الأندلسي ابن جبير. ويذكر السراخسي أن عدد ينابيعها يصل إلى الثلاثمئة، بينما يخبرنا ياقوت، مؤكدًا كلام سابقيه، عن شفافية وعذوبة مائها.

لكن قبل ذلك بكثير، كانت رأس العين مركزًا لمنطقة حضارية ترجع للألفية السادسة ق.م. طورت ثقافة هامة. ثم عادت لتزدهر في نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الأولى قبل عصرنا في ظل مملكة "بيت بخياني" الآرامية. وإلى تلك الفترة ترجع مدينتا سيكاني وغوزانا، أو موقعا تل الفخيرية وتل حلف اللذان اكتشفهما الباحث الألماني ماكس فون أوبنهايم عام 1911[3].

غير أنه في نهاية القرن التاسع عشر لم يعد "على الخابور لا مدن ولاقرى، فقط خيام وخراب"، بحسب شهادة ادوارد ساشاو الذي زار المنطقة في عام 1880!

إذ أن بين هذين الزمنين، مرت جيوش تيمورلنك في بداية القرن الخامس عشر فأعملت الدمار برأس العين ومنطقتها وفي الجزيرة عمومًا، واجتثت سكانها، إما قتلاً أو تهجيرًا. ولم تعد رأس العين إلى الحياة، مثلها مثل ضفاف الخابور، إلا في بداية القرن العشرين بعد انقراض طال خمسة قرون.

لكن هذا الفراغ لم يقض فقط على الحياة والعمران بل أدى إلى تغير السكان وتراجع ثقافةٍ استمرت لآلاف السنين، فتغيرت الأسماء ولم يعد أحد يذكر الأسماء القديمة للينابيع! كما اختفت قبلها تقنيات موغلة في القدم كالملاحة النهرية - التي استمرت نفسها في العراق.

اليوم تتوارد أخبار عن نزوح عددٍ كبيرٍ من سكان رأس العين يُقدَّر بأكثر من ثلث سكانها، ينتمي أغلبهم، على ما يبدو، إلى لون واحد، هو نفسه ذلك اللون الذي انقرض في شمال سوريا، في ماردين، ونصيبين وحران واورفة وغيرها. أي تلك المنطقة التي أصبحت اليوم كردية سكانيًا ولغويًا بشكل شبه كامل وتركية سياسيًا، بينما كانت في الماضي مركز إشعاع حضاري وثقافي سوري انطلقت منه النهضة السورية في القرن الثاني الميلادي. نهضة لولاها لما وصلت الحضارة العربية الإسلامية إلى الحال الذي وصلت إليه.

من الصعب عكس التغيرات السكانية الحالية في رأس العين، وربما في مناطق أخرى. وقد لا يستطيع أحد فعل شيء لمنعها ولمنع انقراض اللغة السورية من جرَّاء انقراض آخر من يتكلمها في أرضها[4]. لكنها تغيرات تستدعي أسئلة عن ثقافة وهوية وذاكرة تلك المنطقة.

في هذا البلد الذي مزج، أكثر من أي بلد آخر، شعوبًا وأقوامًا، حقبًا وأديانًا وحضاراتٍ،  لكنه للأسف لا يملك إلا ذاكرة ضعيفة وحيدة اللون لا تتسع إلا لتاريخ شعب واحد أو قوم واحد أو حقبة واحدة أو دين واحد؛ في هذا البلد هل سيبقى من مكان لذكر اسم أحد ألمع المثقفين السوريين ومدشن النهضة السورية الثانية؟ ذلك الذي درس الفلسفة والطب في الاسكندرية وعاد إلى مدينته "ريش عينا"، قبل 1500 سنة، ليبدأ واحدة من أهم وأصعب المهام العلمية والثقافية، مهمة إدخال العلوم اليونانية لأول مرة بشكل منهجي إلى اللغة السورية[5]، قبل أي لغة سامية أخرى، وقبل حتى أن تُكتب العربية...!

هل ستذكر رأس العين، بعد الآن، فيلسوفها وطبيبها سركيس ابن رأس العين، أم أنها ستنساه كما نسيت دمشق "داماسكيوس" وحمص "نيميسيوس"، واورفة "يعقوب"، وغيرها وغيرهم العشرات؟

*** *** ***

عن صفحة الكاتب على الفيسبوك


 

horizontal rule

[1]  بلين يذكر بالاسم الإلهة جونون، وهي المقابل اللاتيني لأتارغتيس السورية، أما المقابل اليوناني لها فهي هيرا.

[2]  عالم طبيعيات لاتيني من القرن الأول.

[3]  في العام الماضي احتفلت ألمانيا (لا سوريا!) بالذكرى المئوية الأولى لاكتشاف تل حلف، من خلال معرض هام عرض فيه في متحف برغامون كل التماثيل والآثارات الآخرى التي أعيد تركيبها ولصقها بعناية

فائقة بعد تحطمها من جراء القصف خلال الحرب الثانية (الصورة تمثال من القرن التاسع ق.م.).

[4]  بينما تنقرض اللغة السورية من شمال شرق سوريا، بعد أن انقرضت بشكل شبه كامل في باقي المناطق، وفي حين لا يكاد يذكر عنها شيء في المدارس أو أقنية الإعلام والثقافة، يتركز أكثر متكلمي هذه اللغة

في مالابار - جنوب غرب الهند - حيث يعدون بالملايين. ربما ستعود إليهم يومًا ما مهمة حفظ ودراسة اللغة والتراث السوري القديم.

[5]  في الماضي، لم يكن العرب يستعملون كلمة سوريا، لذلك استعملوا كلمة سرياني للإشارة إلى اللغة السورية. أما الان، حيث هناك بلد اسمه سوريا فمن المفضل أن نستعمل كلمة واحدة للدلالة على الصفة المشتقة

منه: سوري بدل سرياني، والاثنتان لهما المعنى نفسه لغويًا.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود