|
حياة البوذا: سيرة مفسَّرة لأنَّنا في سفينة واحدة البوذية: شريعة حياة لحيوات متجدِّدة
تحت عنوان حياة البوذا: سيرة مفسَّرة* صَدَرَ هذا الكتاب النفيس. ونحن في معابر نود أن ننصح للإخوة القراء بالاطِّلاع على هذه الحركة الروحية (وهذا التعبير مفضَّل على مصطلح "دين") التي تُعتبَر ثاني الديانات العالمية انتشارًا (إذا ما تمَّ اعتبارها ديانة)، وذلك من خلال عرض متواضع مقتضب يلمح إلى الجوانب الفكرية والروحية والاجتماعية للبوذية، كما وإلى أثرها على العقل والنفس البشرية.
دايساكو إكيدا، مؤلِّف الكتاب تَنَوَّرَ البوذا بعد رحلةٍ طويلة من الزهد والانقطاع عن الناس دامت ست سنوات، قضاها متنقلاً بين الجبال والغابات، باحثًا عن حقيقة ذاته وعن ماهية الحقيقة ذاتها. بدأ هذا التنوُّر فجرًا، بحسب ما نُقِلَ عنه، عندما لاحت له نجمةُ الصبح للمرة الأولى، حيث شعر أن حياته تتفتَّح في قوة أدرك من خلالها في وضوح الواقع الجوهري للأشياء. في تلك اللحظة تولدتْ لديه صورٌ جليَّة لحقائق الحياة ومعانيها، حيث وصل إلى حالة من الصفاء الذهني السامي والطمأنينة التي تتجاوز قيود الشيخوخة والمرض والموت وغيرها من اللوثات العالقة بذهنه وحياته. وهكذا استمرت هذه الانبلاجات العقلية تتواتر على عقله وكيانه بين الفترة والأخرى، إلى أن تحقَّق له الشعورُ الكامل بالوحدة مع كلِّ ما في هذا الكون، على حدِّ قوله: إنه النيرفانا. البوذا لم يكن مجرد فيلسوف في وطنه، بل زعيم روحي لا نظير له: فهو الخبير في الهداية الإنسانية، ومعلِّم عظيم في مدرسة الحياة، ومكافح صلب من أجل إفساح المجال لاستنارة البشرية والأخذ بيدها إلى طريق المعرفة للحقيقة المحتجبة بالجسم المادي البشري. فهو لم يألُ جهدًا في توجيه تلامذته نحو التحرر من ثقل الجسم المادي نحو روحانية معرفية تنطلق من الجسم، إلى العقل، فالكشف العقلي الذي من خلاله يحدث الانبلاج العقلي وحالة الشعور بالتوحد مع كلِّ ما هو كائن في هذا الكون، كما يصوِّرها البوذا وأمثالُه من كبار الحكماء. وما لبث أن لقَّن تلامذته أصول هذه الخبرة، يحثهم على التقيد بهذه التعاليم والالتزام بها، خطوةً بعد خطوة، وصولاً إلى الاستنارة الداخلية. والبوذية، بتعاليمها ونصوصها المدوَّنة، لا تعرقل التقدم إذا ما استدعى الأمرُ إحداثَ تغيير ما لمواكبة رَكْبِ التطور والحضارة، وذلك بالاستجابة لمتحوِّلات ترتكز على الثوابت الجوهرية التي تملك القدرة على تفسير كلِّ مستجدٍّ في هذا العالم. ومما هو جدير بالذكر أن البوذية هي الديانة الوحيدة التي لم يعلن مؤسِّسها أنه نبي لإله أو مرسَل من لدن إله. كذلك رفض حتى الفكرة عن الإله ككائن أعلى! كما أن الملاحَظ أن أتباع هذه الديانة قلما نسمع عنهم أن مشكلاتٍ أو حروبًا تقع فيما بينهم أو بسببهم، وذلك لعمق إدراكهم ومعرفتهم بمتطلَّبات الروح والحياة من رحمة وتَسامُح. إن أتباع هذا المعلِّم والمفكر والحكيم العظيم ومريدوه في زيادة مطردة في أرجاء المعمورة كافة، نظرًا لما توحي لهم عقيدتُه من إرشاد في طريق إعمال العقل وتحريره من حُجُبه بواسطة تحرير الجسم مما عَلِقَ به من سموم الملذَّات الحسية والشهوات والقهر وحب الامتلاك، ليعود حرًّا، قابلاً للتفاعل مع احتياجات الذات والنفس والروح، وصولاً إلى أسمى مراتب السعادة والطمأنينة الداخلية المتأتية عن طريق المحبة والتسامح والسلام مع كلِّ ما في هذا الكون. *** *** *** * دايساكو إكيدا، حياة البوذا: سيرة مفسرة، بترجمة محمود منقذ الهاشمي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، 2002.
|
|
|