إيكولوجيا عميقة
|
|
تموز وآب
2008
July
and August 2008
|
في هذا الإصدار
|
|
في
هذا الصدد، يؤكد عالم الأديان الروماني الشهير ميرتشيا إلياده، في كتابه البحثُ
عن التاريخ والمعنى في الدين، أن البحث في الأصول كان يشكل «سرابًا» وهاجسًا
عند العلماء الغربيين منذ القديم: فعالِم الطبيعيات كان همُّه البحث عن «أصل»
الأنواع، والبيولوجي كان يهجس بالبحث عن «أصل» الحياة، والجيولوجي والفلكي يبحثان
عن «أصل» الأرض والشمس والمجرات والكون، إلخ؛ أما علماء الدين ومؤرِّخوه فكان
هاجسهم البحث عن «أصول» الفكر الديني وبداياته.
كذلك الأمر فيما يخص علم النفس الحديث، وخصوصًا التحليل النفسي، الذي سُمِّي بـ«علم
نفس الأعماق» Depth Psychology،
وبالأخص مع فرويد الذي وصف تقنيات التحليل النفسي بأنها ضرب من «النزول إلى
الأعماق» أو «النزول إلى تحت». ويبدو أن هذه الاستعارة الپسيكولوجية مستوحاة من علم
دراسة المغاور والكهوف ومن الغوص في أعماق البحار لاكتشاف الكائنات العضوية
المنقرضة منذ زمن بعيد إلخ. وهكذا كان على علم النفس، عمومًا، وعلى التحليل النفسي،
خصوصًا، أن يذهبا عميقًا في البحث عن الحياة النفسية الدفينة، منقبَين عن دوافع
الحياة النفسية «المدفونة حية» في غياهب ما يسمِّيه فرويد بـ«اللاوعي»
unconscious.
وهكذا يشترك محلِّل نفسي مثل فرويد، ويونغ من بعده، في اعتمادهما تقنية التحليل
النفسي، مع سائر نظرائهما من العلماء في الوقوع في هاجس البحث عن «الأصل» نفسه وفي
استكشاف المرحلة «الأولانية» من الحضارة والدين.
يُعَدُّ
النقدُ الإيكولوجي eco-criticism
أو النقد "الأخضر" أحد أحدث الفروع البينية التي برزتْ في الدراسات الثقافية
والأدبية. يأخذ النقد الإيكولوجي على عاتقه مهمةَ تحليل الدور الذي تلعبه البيئةُ
الطبيعيةُ في تشكيل مخيلة جماعة ثقافية ما في لحظة تاريخية بعينها، فاحصًا عن كيفية
تعريف مفهوم "الطبيعة" nature
وعن ماهية القيم التي تُعزى إليه أو تنكره ولماذا، وكذلك عن الطريقة التي تُرى بها
العلاقةُ بين البشر والطبيعة؛ وبالأكثر تحديدًا، يتحرَّى عن كيفية استعمال الطبيعة
أدبيًّا أو مجازيًّا في عبارات أو أساليب جمالية وأدبية محددة، وعن ماهية الأفكار
المسبقة عن الطبيعة مما تستبطنه العباراتُ المجازيةُ التي قد لا تشير إلى هذا
الموضوع إشارةً مباشرة. وبدوره، يسمح هذا التحليل للنقد الإيكولوجي بتعيين الطريقة
التي تسربتْ من خلالها مفاهيم محددة ومشروطة تاريخيًّا عن الطبيعة وعمَّا هو طبيعي
– وخصوصًا معانٍ أدبية وفنية عنها – وساهمتْ في صياغة إدراكاتنا الحالية عن البيئة.
بالإضافة إلى ذلك، يفهم بعض النقاد الإيكولوجيين عملَهم الفكري بوصفه مساهمةً
مباشرةً في المناظرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الحالية حول قضايا التلوث
البيئي وحماية البيئة.