|
قيم خالدة
سيدي الفاضل! لقد كتبتَ إليّ حتى أُبدي رأيي حول العلاقة بين الولايات الأمريكية الشمالية وإنكلترة "من أجل مصلحة المبادئ المسيحية، والسلام الحقيقي". وعبّرت عن أملك في أنّ "الشعوب سرعان ما سوف تفطن إلى الوسيلة الوحيدة لضمان السّلم العالمي". وأنا لدي هذا الأمل. لدي هذا الأمل لأنّ العمى الذي تكمن فيه الشعوب التي تمجّد الوطنية، في زمننا، والتي تربّي أجيالها الشابّة على خرافة الوطنية، والتي لا تتمنّى، في الوقت نفسه، العواقب الحتمية للوطنية - الحروب، قد وصلت، على ما يبدو لي، إلى تلك الدرجة الأخيرة التي يكفي عندها لأبسط مناقشة، تُطرح على لسان أي شخص غير متعصّب، حتى يرى الناس ذلك التناقض الصارخ الذي يكتنفها. غالبًا، عندما تسأل الأطفال عمّا سيختارون من شيئين متنافرين، في حين أنّ لديهم رغبة شديدة في الاثنين معًا، فإنهم يجيبون: هذا وذاك. ماذا تريد: أن تذهب في نزهة أم أن تلعب في البيت؟ - أن أذهب في نزهة وألعب في البيت أيضًا.
يتجدد العالم في كل يوم، بل في كل نبضة قلب ورفّة جفن، ولكنه تجدد شامل وخاطف إلى حد أن حواسنا البطيئة والبليدة لا تكاد تشعر به إلا بعد أيام أو أعوام أو أجيال. فنحن لا نحس دبيب البقاء وزحف الفناء في أجسادنا من ساعة لساعة ومن يوم ليوم، ونمضي نقطر الثواني إلى الثواني، والفصول إلى الفصول، واهمين أننا اليوم عين ما كنّاه أمس، وسنكون غدًا عين ما نحن اليوم. إلا إذا ابتلينا بمرض من بعد عافية أو حظينا بعافية من بعد مرض، وإلا إذا ابيض شعر كان أسود، وارتخى ساعد كان مفتولاً، وغام بصر كان جليًا، وتناثرت قواضم كانت حادة، أو نحو ذلك من الأحداث التي تطرأ على أجسادنا فإذ ذلك نشعر أننا قد تغيرنا.
التحرّر من الشهوات يسمّى في التصوف الأرثوذكسي هدوءًا، حيث الروح الإلهي فاعل وأنت متقبّل، أي أن آخر ينشئ الوداعة فيك. وإذا كتب يوحنا، صاحب سلّم الفضائل الناسك الكبير في صحراء سيناء، عن الهدوء يقول: إنه اللاهوى، ويحدّد هذا على أنه الكمال المتشبّه بالله والسماء الأرضيّة وقيامة النفس قبل القيامة العامة. لا كلام بعد هذا الكلام لأنك إن بلغت هذا العلى لا تبقى في حاجة إلى تعبير لساني. ويوضح القديس يوحنا هذا في المقالة الثامنة أن الوداعة هي "سكون النفس وتقبّلها للإهانات والكرامات بحال واحد على السواء". ويتوسّع في الكلام على الرذيلة المناقضة، وهي عنده الغضب؛ وكما عرف الوداعة بالهدوء يعرّف الغضب بالاضطراب. عند الشتيمة تسكت. هذه درجة أولى من الخير. أما الدرجة الثانية فتحزن من أجل شاتمك، والدرجة العليا أن تتصور الضرر الذي أحدثه الشتم في الشاتم وأن تبكي على خطيئته بكاءً حارًا.
|
|
|