حين باشرت الحركة النسوية المعاصرة في إسرائيل، لم
تتعرض معظم الناشطات النسويات مطلقًا لمسألة الصراع بين إسرائيل والعرب. ففي
السبعينات، حين بدأت هذه الحركة، لم تفكّر أغلب الناشطات النسويات أبدًا بهذه
القضية، في حين أنهن في الثمانينات أعملن التفكير بها واتخذن قرارًا مدروسًا
بتجنبها. ورغم أن للإيديولوجيا النسوية العالمية موقفًا مناصرًا للسلام على
الدوام، فإن الكثير من الناشطات النسويات الإسرائيليات (مع بعض الاستثناءات
الملحوظة) أحسسن بأن الحركة الإسرائيلية الوليدة لن تنجو أبدًا من العواقب إن
هي تبنّت هذا الموقف المثير للجدل. ففي تلك السنوات (وحتى اليوم إلى حدّ ما)،
يُنفِّر "الحديث عن السلام" الكثير من الإسرائيليين الذين قد يكونون مهتمّين،
بطريقة ما، بجدول أعمال أكثر ضيقًا للمساواة من أجل النساء. وبالتالي، ورغم أن
التضارب الإيديولوجي كان واضحًا ومحزنًا، فقد التمست الناشطات النسويات في
إسرائيل سُبلاً للتعتيم على القضايا الجيو-سياسية وتسليط الضوء على حقوق النساء
من منظورها الضيق، تاركين قضايا السلام لمنظمات السلام، وإقصاء هذه القضايا عن
جدول أعمال النشاط النسوي العام.
قبل انطلاق الانتفاضة، كان هناك ثلاث منظمات نسائية
إسرائيلية مُكرّسة لـ "السلام والتعايش" هي:
TANDI
(حركة النساء الديمقراطيات في إسرائيل)؛ وGesher؛
والفرع الإسرائيلي لـ WILPF
(عصبة النساء الدولية من أجل السلام والحرية). وكانت نسبة المشاركات في هذه
المنظمات من الإسرائيليات العربيات أعلى بكثير من الإسرائيليات اليهوديات
اللواتي أتين من الأوساط النسائية الملتزمة بالعمل السياسي والمنخرطة فيه إلى
حدّ كبير.
بمجرد أن أعلن، يوم الأحد، نبأ بناء 750
وحدة سكنية إضافية في مستعمرة جيفات زيف، صدر عن أعلى مستويات السلطة الفلسطينية
بيان يعلن شجبه لما حصل. ونلاحظ هنا أن مكانة هذه الاستنكارات في وسائل الإعلام
الفلسطينية تتناسب عكسًا مع أهميتها. حيث يكفي أن نغير اسم المستعمرة وعدد الوحدات
السكنية الجديدة لنجد بأنها نفس تلك التي سبق وسمعناها تتكرر منذ أوسلو بينما تستمر
إسرائيل، وبكل بساطة، في توسيع مستوطناتها.
ويجيبك أعلى مسؤلي السلطة الفلسطينية بهذا الخصوص، أن ليست استنكاراتهم وحدها هي
التي ستوقف المستوطنات. فأوروبا أيضًا تستنكرها، وكذلك "السلام الآن"، والأمم
المتحدة، وحتى كوندوليزا رايس عبرت عن سخطها، وكذلك أشهر الكتاب الإسرائيليين.
وتستمر المستوطنات بالتوسع، ومعها الطرق الممنوعة على الفلسطينيين. ونجدهم أيضًا
يرددون محقين أن التكتيك المعاكس ظاهريًا للمفاوضات (والاستنكارات) – أي إطلاق
صواريخ القسام، وأعمال حرب العصابات، والعمليات الانتحارية – غير فعالة هي أيضًا،
وأنها في الواقع قدمت لإسرائيل حججًا جديدة كي تصادر المزيد من الأراضي (لقد كان
جلاء إسرائيل عن مستعمرات قطاع غزة، عملاً ناجحًا ساهم في تسريع الانفصال السياسي
بين غزة والضفة الغربية، تحت غطاء ما ادعي أنه "بداية الانسحاب").
لعل ما فعلته الولايات المتحدة بقضية الديموقراطية هو عينه ما فعله الإتحاد
السوفييتي بقضية الاشتراكية. فإدارة بوش لم تسيء فقط إلى سمعة هذه القضية في معظم
أنحاء العالم، إنما بالتركيز المبالغ والمشبوه لأجندتها المتعلقة بـ "تسويق
الديموقراطية"، أعطت الأنظمة القمعية ومناصريها الحجة في وصم أي حراك شعبي
ديموقراطي يهددها بالعمالة للأجنبي حتى ولو كان هذا الحراك بقيادة مناضلين لاعنفيين
مستقلين.
ففي الأشهر الأخيرة قامت حكومات زيمبابوي وإيران وبيلاروسيا وبورما وغيرها
بالادعاء، وبلا أي تمييز، أن التمردات المدنية اللاعنفية والشعبية الشبيهة بتلك
التي أطاحت بالأنظمة القمعية في صربيا وجورجيا وأوكرانيا خلال السنوات القريبة
الماضية - والتي يمكن أن تهددها أيضًا - هي، بشكل أو بآخر، من صنع إدارة بوش
وحلفائها للتهيئة "لانقلابات ناعمة" تطيح بالحكومات المعارضة للمصالح الأمريكية،
واستبدلها بأخرى أكثر طواعية. وهذا ما يخلط بين ظاهرتين مختلفتين تمامًا.