صدور مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الجديد... عودة إلى القديم ما عدا؟

 

ميشال شماس

 

بعد الاعتراضات الواسعة والرافضة لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي أعدته لجنة سرِّية بتاريخ 5-4-2009 بموجب قرار للسيد رئيس مجلس الوزراء السوري بتاريخ 7-6-2007، ورقم 2437، خرجت علينا من جديد تلك اللجنة السرية بمشروع جديد هذه المرة، مشروع يختلف كليًا عن المشروع السابق الذي شكل خطوة هائلة إلى الوراء وتراجعًا حتى عن قانون الأحوال الشخصية النافذ حاليًا، ولقي اعتراضات وانتقادات كثيرة، وأثار ضجة كبيرة في أوساط واسعة من السوريين والسوريات.

وبعد الاطلاع على النسخة الجديدة من المشروع المذكور، التي تم توزيعها منذ يومين على الجهات المختصة بما فيها ممثلي الطوائف المسيحية، تبين أن هذه النسخة الجديدة هي صورة طبق الأصل عن قانون الأحوال الشخصية النافذ حاليًا مع بعض التعديلات، وإضافات جديدة لم تكن واردة سابقاً. وقد احتوى المشروع على 318 مادة أي بزيادة 8 مواد عن القانون الحالي. والمواد الجديدة وردت في المشروع، بنسخته الجديدة، في الباب الخامس تحت عنوان كفالة الصغير والتكافل الأسري من المادة 162 وحتى المادة 169، وعرفت المادة 162 كفالة الصغير بأنها (هي الإلزام برعاية طفل وحمايته وتربيته والإنفاق عليه كما يفعل الأب مع ولده، ولا يترتب عليها حق النسب ولا في الإرث). وكفالة الصغير تشبه إلى حد بعيد موضوع التبني، وهذا أمر إيجابي ولا شك.

أما بالنسبة إلى التعديلات التي وردت في المشروع، فإنها لا تختلف في جوهرها عن ما هو منصوص في القانون الحالي. وأهم تلك التعديلات هو حذف كلمة نكاح واستبدالها بكلمة زواج، إلا أن كلمة موطوءة ترد في أكثر من مكان في المشروع. كما تم رفع سن الزواج بالنسبة للمراهق والمراهقة في المادة 18 من المشروع: (إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال السابعة عشر أو المراهقة بعد إكمالها الخامسة عشر وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما). وهو تعديل جيد إذا ما قورن بنص المادة 18 من القانون الحالي التي نصت: (إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما). وإن كنا نفضل إلى إلغاء هذه المادة نهائيًا وتحديد سن الزواج للفتى والفتاة بسن 18.

وحافظ المشروع الجديد على التمييز بين الرجل والمرأة لمصلحة الزوج، فعلى سبيل المثال في المادة 4 المتعلقة بالخطبة فإن المرأة تلزم بإعادة المهر أو مثله سواء كان العدول منها أو من الخاطب. والمادة 27 التي تنتقص من أهلية المرأة بقيت كما هي (إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤًا لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح)، وكذلك المادة 14 التي تمثل قمة الانتقاص من أهلية المرأة حين جعل شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين في المادة 12 خلافًا لأحكام المادة 25/3 (المواطنوان متساوون أمام القانون).

وكذلك في المادة 73 التي نصت: (يسقط حق الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها، ويعد سكوته بعد علمه بعملها في أثناء الخطبة إذنًا لها في العمل لا يسقط حقها في النفقة). وذلك خلافًا مع ما نص عليه الدستور، وخاصة المادة 36 التي تقول بأن العمل حق لكل مواطن وواجب عليه. أما المادة 37 فقد شكلت إهانة بالغة للمرأة عندما أبقى المشروع على تعدد الزوجات (لا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة الخامسة حتى يطلق إحدى زوجاته الأربع وتنقضي عدتها).

وحافظ المشروع أيضًا على منع زواج المسلمة بغير المسلم خلافًا لما نص عليه الدستور السوري في المادة 35 منه التي ضمنت حرية المعتقد والعقيدة، ومع كافة المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها سوريا.

واعتبر المشروع في المادة 313 منه أن (كل ما لم يرد نص في هذا القانون يرجع فيه إلى القول الأرجح في المذهب الحنفي). والتي ينظمها كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الأمام أبي حنيفة النعمان لمحمد قدري باشا الملحق في قانون الأحوال الشخصية السوري والذي يتضمن فيما يتضمن أحكام اللعان والظهار التي تعيد المجتمع إلى عصور الانحطاط.

أما فيما يخص بالطوائف المسيحية فقد نص مشروع القانون في المادة 316 بصراحة على أنه لايجوز تعدد الزوجات، ونصت المادة 318 منه على إلغاء القانون رقم 10 الخاص بطائفة السريان الأرثوذكس، والقانون رقم 23 الخاص بطائفة الروم الأرثوذكس، والقانون 31 الخاص بطائفة الروم الكاثوليك. والسؤال الذي يطرح نفسه أن تلك الطوائف التي ألغيت قوانينها الخاصة إلى أي قانون سترجع؟ المرجح أنها ستعود إلى القوانين الكنسية التي كانت سائدة أيام الاحتلال العثماني لبلادنا.

في اختصار، المشروع الجديد لم يخرج عن الإطار العام للقانون الحالي، وبقيت أحكامه تدور في فلك النظرة الإسلامية للمجتمع، وكيفية بناء العلاقات بين أبنائه، فاللجنة التي أعدت هذا المشروع لم تحاول، مجرد محاولة، مواكبة التطوّر الكبير الذي طرأ على المجتمع وبنيته وخصائصه منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، بل حافظت بأمانة على كل المساوئ التي يقوم عليها القانون الحالي، وتجاهلت الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها سوريا، بدءًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومرورًا باتفاقية حقوق الطفل، وليس انتهاء باتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة (سيداو). كما تجاهلت الدستور السوري، واعتمدت معيار الانتماء الطائفي "بصفته الانتماء الأسمى"، بديلاً عن الانتماء للوطن، وبقيت المرأة في نظر معدي هذا المشروع مجرد وعاء إنجاب وتقديم المتعة للرجل، كما بقيت بنظرهم رهنًا بما يفعله الرجل ابتدءًا بأبيها وأخيها وانتهاء بتبعيتها "للنائب الشرعي". أنهم لا يريدون الاعتراف بحقوق المرأة ككيان خاص مستقل، إلا وفقًا لمشيئة الرجل.

*** *** ***

كلنا شركاء، 7-11-2009

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود