|
منقولات روحيّة
تلتقي الخطوط الممتدة للعلاقات في الـأنت الأزلية. لأن كل أنت تحديدًا هي نظرة خاطفة ومباشرة للـأنت الأزلية. وعن طريق كل أنت محددة تخاطب الكلمة الأساسية الـأنت الأزلية. وعن طريق أنت كلِّ الكائنات تتحقق، أو لا تتحقق، العلاقة معها: فالـأنا الفطرية تتحقق في كل علاقة وتُستهلك في العدم. وهي تتحقق فقط عن طريق العلاقة المباشرة مع الـأنت التي لا يمكن أن تتحول إلى هو. * توجَّه البشر إلى الـأنت الأزلية الخاصة بهم بأسماء متعددة. وكانت الـأنت دائمًا في أذهانهم حين كانوا ينشدون لمن كان يسمى هكذا: فالأساطير الأولى كانت ترانيم للتهليل. ثم لجأت الأسماء إلى لغة الـهو؛ فالبشر كانوا مندفعين بقوة لأن يتفكروا ولأن يخاطبوا الـأنت الأزلية الخاصة بهم كـهو. كلُّ أسماء الآلهة مقدسة، لأنه من خلال هذه الأسماء لا يجري الحديث عن (الله)، إنما يكون التوجُّه إليه.
لقد كانت الكونفوشيوسيَّة هي الديانة الرَّئيسة، النِّظام الاجتماعي الأساسي في الصين. بيد أنَّها لم تكن النظام الوحيد فيها. فتعاليم كونفوشيوس لم تتطرَّق إلى الأسئلة التي أقلقت الإنسان على مرِّ العصور في كل مكان من الدنيا: هل الروح خالدة، وهل ثمَّة حياة أخرى، وما الذي يحدث للإنسان بعد الموت، و...، وكان كونفوشيوس قد قال في هذا الصَّدد: "نحن لا نعرف كنه الحياة، فأنَّى لنا أن نعرف كنه الموت". ومع ذلك كانت شائعة في أوساط الشعَّب دومًا تصوُّرات محدَّدة عن الأرواح، والحياة الأخرى. بيد أنَّ العقلانيَّة الصينية أوقفت امتداد مثل هذه الرؤى، فلم تتحوَّل إلى رؤى رائدة في المجتمع. ويعدُّ الفيلسوف لاو-تسزي [لاو-تسه] أبَ الدَّواسية. وكان هذا معاصرًا لكونفوشيوس. وعلى امتداد تاريخ الصين كله، حتى يومنا هذا، كانت الدوَّاسية تتطوَّر في موازاة الكونفوشيوسية. ولكن هذه الأخيرة كانت دائمًا تشغل المكانة الأولى في الدولة. أمَّا الدَّواسية فلم تسعَ إلى هذا في أيِّ يوم من الأيام. ومع ذلك أثبت أنَّها قادرة أنْ تستمر على قيد الحياة.
1 لعل أولى التساؤلات التي من الممكن أن يطرحها القارىء غير المطلع على ما تعنيه القبالة هو: ما هي القبالة؟ ومن هو صاحبها؟ وما هي تقسيماتها؟ وما هي تعاليمها الأساسية؟ ولماذا يتوجب علينا الآن وفي هذا الزمن الحاضر ترجمتها وشرحها؟ 2 سأبدأ بالإجابة على السؤال الأخير، لأن موجةً عارمةً من الفكر السرَّاني تنتشر اليوم في المجتمع؛ فالبشر الذين يفكرون بدأوا يعون واقع أن "هناك أمورًا في السماء والأرض تفوق كل ما حلمت بها فلسفاتهم"؛ وأخيرًا وليس آخرًا، لأن هناك شعورًا بأن الكتاب المقدس (التوراة)، الذي أسيء إليه أكثر من أي كتاب آخر، يتضمن ما لا يحصى من الفقرات الغامضة التي لا يمكن فهمها من دون مفتاح يوضِّح بعض معانيها. وهذا المفتاح نجده في القبالة. من هذا المنظور يعتبر هذا الكتاب مهمًا لكل دارسٍ للتوراة وللاهوت. فليسأل كل مسيحي نفسه السؤال التالي: "كيف بوسعي أن أفهم العهد القديم إن كنت أجهل كيف بني من قبل تلك الأمة التي كتبته؛ وإن كنت لا أعرف معنى العهد القديم، كيف بوسعي أن أفهم العهد الجديد؟". لأنه بمقدار ما نفهم فلسفة التوارة بشكل أفضل، بمقدار ما يتضاءل التعصُّب ويقلُّ عدد المتعصبين.
يُضيِّع عامة المسْلِمون جهودَهم ووقتَهم سدىً في إثبات عدم تحريف كتابهم المقدَّس "القرآن" وفي إثبات تحريف كتاب غيرهم، "الإنجيل" أو "التوراة". كذلك فإن عامة المسيحيين ليسوا أحسنَ حالاً من عامة المسْلمين، فهم الآخرون يُضيِّعون وقتَهم وجهدَهم سدىً في إثبات صحة كتابهم وفي إثبات تحريف القرآن. إنَّ ما يفعله أغلبُ المسلمين والمسيحيين واليهود وكل من يتمسَّك بالحَرْفِ – من خلال فهمهم العامّي لدينهم – لا يدلُّ سوى على تخلُّفِ مستوى وعيهم؛ فهم يَرَون عيوبَ الإصبع التي تشير إلى الشمس وتعمى أبصارهم عن رؤية الشمس! ويضيع أتباعُ العقائد والأديان في متاهات حروف الرسالة الروحية ويُقفِلون قلوبَهم عن فهم مراميها.
|
|
|