يحتلُّ مفهوم الأسطورة في أعمال كلود ليفي ستروس
Claude
Lévi-Strauss
موقع الصدارة، وقد تمكَّن من تخليص الأسطورة من تراثها
السابق. هذا التراث الذي لا يرى في الأسطورة إلا أنها تعبير عن المشاعر العميقة
في الجماعة، أو تعليل للظواهر الغريبة سواء الفلكية أو الكونية، أو تنفيس عن
مشاعر ترزح تحت وطأة الكبت، بينما يذهب ستروس نحو التأكيد على طابع الأسطورة
الشفاهي، فالأسطورة تشكل جزءًا لا يتجزّأ من اللغة، "وهي خطاب له بنية لسانية،
تتكوَّن من وحدات هي الجمل". هذه الجمل هي أصغر
وحدات أسطورية، هي الميثيمات
mythemes
وهو ما يقابل الفونيم
phoneme
عند ياكوبسون. والميثيم
mytheme
لا تتمثَّل وظيفته التحليلية أو قدرته التحليلية إلا في
علاقته بالميثيمات الأخرى وبفضل العلاقات الداخلية التي تمثل حزمًا
bundles.
هذه الحزم هي مجموعة من الترابطات التي تقف في علاقات تعارضية أو تقابلية مع
بعضها البعض عبر معايير مختلفة وتراكيب مغايرة، وعندئذ سيكون المعنى البنيوي
متولِّدًا من العلاقات ومجموع التقابلات. بالإضافة إلى طابع الأسطورة البنيوي،
وربما لأنها كذلك يتأسَّس عليها أن تشتمل على الزمن القابل للإعادة والزمن غير
القابل للإعادة
irreversible
وهذا يتوفِّر لها عبر خاصِّيتي التزامن والتتابع اللتين
أكَّد عليهما دوسوسير. ويمكن تمثيل زمن الأسطورة على النحو التالي:
إذا عدنا إلى ثلاثية سوفوكليس، نجد مستويين لهذه الثلاثية، المستوى الأول يتمثل
في سؤال السفينكس
الأساسي (من أنت؟ ومن أين أتيت؟ وإلى أين تذهب؟) وكان الجميع عاجزًا عن حل هذا
اللغز، حتى وصل أوديب. وفي رأيي، أنه بوصول أوديب إلى طيبة مسرح الأحداث
المأساوية والذي عبَّرَت عنه عبقرية جبارة مثل عبقرية سوفوكليس، فوصوله هذا إن
عبَّر عن شيء فهو يعبِّر عن مرحلة دقيقة وحَرِجَة وانتقالية في تاريخ البشرية،
إذ يشير علماء الأنثروبولوجيا إلى المرحلة الانتقالية من النظام الأمومي إلى
النظام الأبوي، أما علماء الروح فيشيرون إلى انتقال وظيفي للدماغ من هيمنة نصف
الدماغ الأيمن الذي تشير الدراسات العلمية إلى أنه مركز الحدس والمركز الروحي
والتأملي، ومن خلاله يشعر الإنسان بوحدته مع الجنس البشري بأكمله والكون بأسره،
إذن، يشير هؤلاء العلماء إلى أن الانتقال حصل عندما أصبحت وظيفة الدماغ
الرئيسية تكمن في نصف الدماغ الأيسر الذي يعرِّفه العلماء إلى أنه الدماغ
الحسابي والمنطقي والأناني... على عكس النصف الأيمن تمامًا.