ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها؛ بل
خافوا بالحري من الذي يقدر أن يُهلك النفس والجسد كليهما في جهنم.
(إنجيل متّى: 10، 28)
من جرَّاء تحريف المسيحية أصبحت حياة الشعوب المسيحية أسوأ من الحياة
الوثنية. ولا يمكن البدء بإصلاح شرِّ الحياة الكائن من شيء آخر إلا عبر
فضح النفاق الديني، وأن يعمل كل فرد على ترسيخ الدين الحقِّ في نفسه.
تقود آلام الحياة المنافية للعقل إلى إدراك ضرورة الحياة العقلانية.
إنَّ بؤس البشرية برمَّتها، وكذلك بؤس الأفراد، ليس عديم النفع وإنما
يقود البشرية، وإن عبر طريقٍ عوجاء، دائمًا إلى العمل الوحيد المقدَّر
للبشر: بلوغ الكمال.
في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1998، "أعلنت الجمعيةُ العامة
للأمم المتحدة فترةَ 2001–2010 عقدًا دوليًا لتشجيع ثقافةٍ للسلام
واللاعنف لصالح أطفال العالم" (القرار 53/25). وفي حيثيات القرار،
تَعتبر الجمعيةُ العامة "أنَّ ثقافةً للسلام واللاعنف تدعو إلى احترام
حياة كل إنسان وكرامتِه دون تعصب ولا تمييز أيًا كان نوعه". فضلاً عن
ذلك، تعترف بأن
للتربية دورًا ينبغي أن تلعبه في بناء صرح ثقافةٍ للسلام واللاعنف
وخصوصًا من خلال تعليم الأطفال ممارسةَ اللاعنف والسلام، مما يساهم في
تحقيق الأهداف والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك،
تدعو الجمعيةُ العامة الدولَ الأعضاء إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة
لتعليم ممارسة اللاعنف والسلام على جميع المستويات في مجتمع كل منها،
بما في ذلك المؤسسات التعليمية.
إذا
كنت من الملايين الذين شاهدوا مَلالَه يوسفزائي
Malala
Yousafzai
وخطابها الملهم في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي (وهو الآن على
اليوتيوب ومصنَّف "يُنصح به جدًا")، فلعلك سمعت هذه العُشارية
الجسورة، التي رُميت بالرصاص من طالبان بسبب دعوتها إلى تعليم البنات،
وهي تذكر شخصًا اسمه بادْشاه خان
Badshah
Khan
بوصفه إلهامًا عظيمًا لاعتناقها اللاعنف اعتناقًا جسورًا وثابتًا. فمن
هو؟
ولد خان عبد الغفار خان
Khan
Abdul Ghaffar Khan،
الذي صار يعرف بلقب بادْشاه أي "الملك"، في سنة 1890 في بلدة
عثمانْزائي، وهي غير بعيدة عن بيشاوَر في ما كان يدعى يومئذ الولاية
الهندية الحدودية الشمالية الغربية. كان والده خانًا، أي رئيسًا لقرية،
محترمًا جدًا لأمانته ولمقاربته – مقاربةً فيها شيء من الاستقلالية -
إسلامَ ملالي
زمانه وأحكامَ "البَدَل" أي الثأر الذي كان من السمات الثقافية البارزة
للبَشتون (وهذا اللفظ يكتب ويلفظ أحيانًا هكذا: بَتان
Pathans).
"إذًا عليكم بالتخلي عن الأسلحة"، هكذا أجابت إحدى الباحثات
العاملات في مجال العنف السياسي والتي قادتها أبحاثها إلى قلب مفاهيمها
عن هذا النوع من الصراع رأسًا على عقب.
خرجت من الطائرة في العاصمة الدنمركية، كوبنهاجن، متوجهةً إلى اجتماع
حول الأزمة في سورية. هناك أخبرنا ثلاثة من النشطاء، الذين فضلوا
استخدام أسماء مستعارة خوفًا من انتقام النظام، عن سقوط ثلاث آلاف ضحية
واعتقال آلاف آخرين بسبب سعيهم للإطاحة بحكومتهم.
أثناء المؤتمر الذي عقد في مبنى البرلمان الدنمركي – وجمع مئات من
مسؤولي الحكومة الدنمركية، والصحفيين، والناشطين في مجال حقوق الإنسان
والعمال والأكاديميين - كنت أستطيع أن ألمس وأرى التساؤل على وجوهه
الحضور: هل استنفذ السوريون الوسائل السلمية؟ ألم يحن الوقت بالنسبة
لهم لحمل السلاح؟
شهد
المشهد الثقافي والسياسي في العصر الحديث ثورات شعبية كبرى أحدثت
تغيرات ملموسة على المشهد العالمي، وواكبَ هذه الثورات مدٌّ ثقافي واسع
يرى كثيرًا من الجدوى في المقاومة المسلحة تحديدًا وفي قدرتها على
تحقيق أهدافها بل يرى فيها نماذج كبرى للتغيير الاجتماعي. وتبنى كبار
المثقفين مثل سارتر هذا النموذج متغنين بالملاحم الثورية التي كانت
إحدى السمات المميزة للعصر بدءًا من الثورة البلشفية في 1847، والثورة
الصينية وانتصار ماوتسي تونغ على جيش القوميين النظامي في 1949، وفيديل
كاسترو في كوبا عام 1959، وصمود الفيتكونغ في فييتنام في وجه أمريكا
وإحراجها، والجيش الجمهوري الأيرلندي، وجبهة التحرير الفلسطينية، ونمور
التاميل في سريلانكا، وحركة إيتا الانفصالية في إقليم الباسك بإسبانيا،
وهجمات حزب الله على الأمريكان في الثمانينيات وغيرها الكثير من حركات
المقاومة. الشعوب لامست جدوى العنف السياسي وبمجرد أن اعتبر مجديًا بات
بالإمكان التغاضي عن تكاليفه البشرية العالية.