next previous
english arabic

الحرية الأولى والأخيرة

 

جِدُّو كريشنامورتي

 

3. هل من ضرورة للمعلِّمين الروحيون؟

سؤال: تقول إن الـغورو* ليسوا ضروريين، ولكن كيف يمكنني أن أجد الحقيقة بدون المعونة والتوجيه الحكيمين اللذين وحده غورو يستطيع أن يمنحهما؟

كريشنامورتي: السؤال هو إذا كان الـغورو ضروريًّا أم لا. هل من الممكن إيجاد الحقيقة عبر شخص آخر؟ يقول بعضهم إن ذلك ممكن ويقول بعضهم إنه غير ممكن. ونحن نريد أن نعرف حقيقة الأمر، وليس رأيي في مقابل رأي شخص آخر. ليس لدي رأي في هذه القضية، بحيث إما أن تكون كذلك أو لا تكون. جوهرية وجود غورو لديك أو عدم وجوده ليست مسألة رأي؛ إذ إن حقيقة القضية لا تتوقف على الرأي، مهما كان عميقًا، واسع العلم، شعبيًّا، عالميًّا. حقيقة القضية ينبغي أن يتم اكتشافها في الواقع.

بادئ ذي بدء، لماذا نريد غورو؟ نقول إننا في حاجة إلى غورو لأننا مشوشون والـغورو مساعد: فهو الذي سيشير علينا بما هي الحقيقة، يساعدنا على الفهم؛ هو الذي يعرف عن الحياة أكثر منَّا، يتصرف كأب، كمعلِّم، ليلقننا عن الحياة؛ هو الذي لديه الخبرة الواسعة، وهلم جرا. إذن فأنت تقصد المعلِّم أساسًا لأنك مشوش. فلو كنت رائقًا لما دنوت من غورو. أكيد أنك لو كنت سعيدًا بعمق، لو لم تكن لديك مشكلات، لو كنت تفهم الحياة تمامًا، لما قصدتَ أيَّ غورو. أرجو أن ترى المغزى من هذا. فلأنك مشوش تسعى للبحث عن معلِّم؛ تقصده لكي يعطيك طريقة للحياة، ليبدِّد لك تشوشك، لتجد الحقيقة. إنك تختار غورو–ك لأنك مشوش ولأنك تأمل أن يعطيك ما تسأل. أي أنك تختار غورو يلبي طلبك؛ تختار بحسب المكافأة التي سيمنحك إياها، واختيارُك يتوقف على مكافأتك. إنك لا تختار غورو يقول: "اعتمد على نفسك"؛ إنك تختاره بحسب أحكامك المسبقة. إذن، بما أنك تختار غورو–ك بحسب المكافأة التي يمنحك إياها فأنت لا تفتش عن الحقيقة، بل عن طريق يخلصك من التشويش؛ والطريق للخلاص من التشويش يدعى خطأً بالحقيقة.

فلنفحص أولاً عن فكرة أن الـغورو يستطيع أن يبدِّد تشويشنا. هل بوسع أحدٍ أن يبدِّد تشويشنا؟ – التشويش بما هو نتاج استجاباتنا. نحن الذين أوجدناه. فهل تعتقد أن أحدًا غيرك أوجده – هذا البؤس، هذه المعركة على كافة مستويات الوجود، في الداخل وفي الخارج؟ إنها نتيجة التقصير في معرفتنا أنفسَنا. فلأننا لا نفهم أنفسَنا، نزاعاتِنا، استجاباتِنا، بؤسَنا، نقصد غورو نظن أنه سوف يساعدنا على التحرر من ذلك التشويش. لا يمكننا أن نفهم أنفسنا إلا في العلاقة بالحاضر؛ وتلك العلاقة هي نفسها الـغورو، وليست أحدًا في الخارج. إذا لم أكن أفهم تلك العلاقة فكل ما قد يقوله غورو لا جدوى منه، لأنني إذا لم أفهم العلاقة، علاقتي بالملكية، بالناس، بالأفكار، مَن يستطيع أن يحلَّ النزاع فيَّ؟ فحتى أحلَّ ذلك النزاع، يجب أن أفهمه بنفسي، الأمر الذي يعني أنني يجب أن أعي نفسي في العلاقة. ولكي أعي لا ضرورة لأيِّ غورو. إذا لم أكن أعرف نفسي ما فائدة الـغورو؟ فكما يقوم أسرى التشويش، الذين يكون اختيارهم مشوشًا بالتالي، باختيار زعيم سياسي، هكذا أختار غورو. لا أستطيع أن أختاره إلا بحسب تشويشي؛ ومن هنا فهو، مثله كمثل الزعيم السياسي، مشوش أيضًا.

ليس المهم مَن على صواب – أكنتُ أنا على صواب أم كان أولئك القائلون بضرورة الـغورو؛ لكن المهم هو أن تكتشف بنفسك لماذا أنت في حاجة إلى غورو. يوجد الـغورو للاستغلال بأنواعه المتعددة. لكن هذا لا متات له إلى موضوعنا. إنك تحس بالرضا إذا أخبرك أحدهم بكيفية تقدُّمك؛ أما اكتشاف لماذا أنت في حاجة إلى غورو – فهناك مكمن المفتاح. ربما كان بوسع غيرك أن يدلَّك على الطريق، لكنْ أنت مَن يجب أن يقوم بالعمل كلِّه، حتى إذا كان لديك غورو. ولأنك لا تريد أن تواجه ذلك فإنك تلقي بالمسؤولية على الـغورو. إن الـغورو يصير عديم النفع لدى وجود ذريرة واحدة من معرفة النفس. ليس بوسع أيِّ غورو، أيِّ كتاب أو أيِّ كتاب مقدس، أن يمنحك معرفة النفس: فهي تأتي عندما تعي ذاتك في العلاقة. الكينونة هي العلاقة؛ وعدم فهم العلاقة هو البؤس، هو النزاع. عدم وعيكَ العلاقةَ بالمُلكية هو من أسباب التشويش: إذا لم تكن تعرف علاقتك السليمة بالمُلكية فلا بدَّ حتمًا أن ينشأ النزاع، الأمر الذي يزيد من النزاع في المجتمع. إذا لم تكن تفهم العلاقة بينك وبين زوجك، بينك وبين ولدك، كيف يمكن لغيرك أن يحلَّ النزاع الناشئ عن تلك العلاقة؟ والأمر نفسه ينطبق على الأفكار والمعتقدات وهلم جرا. التشويش في علاقتك بالناس، بالمُلكية، بالأفكار، يدفعك إلى التفتيش عن غورو. فإذا كان غورو حقيقيًّا سيطلب منك أن تفهم نفسك. أنت أصل كلِّ سوء فهم وتشويش؛ ووحدك تستطيع أن تحلَّ ذلك النزاع عندما تفهم نفسك في العلاقة.

ليس في وسعك أن تجد الحقيقة عبر أحد سواك. كيف يمكن أن يكون لك ذلك؟ الحقيقة ليست شيئًا ساكنًا؛ ليس لها مستقر ثابت؛ إنها ليست غايةً، ليست هدفًا. على العكس، إنها متجددة، دينامية، يقظة، حية. فكيف لها أن تكون غاية؟ فلو كانت الحقيقة نقطة ثابتة فهي لا تعود الحقيقة؛ إنها تكون إذ ذاك مجرد رأي. الحقيقة هي المجهول، والذهن الساعي إلى الحقيقة لن يجدها أبدًا، لأن الذهن مصنوع من المعلوم؛ إنه نتاج الماضي، ثمرة الزمن – الأمر الذي في وسعك أن ترصده بنفسك. الذهن أداة المعلوم؛ لذا فهو لا يستطيع أن يجد المجهول؛ في وسعه فقط أن يتحرك من المعلوم إلى المعلوم. عندما يفتش الذهن عن الحقيقة – الحقيقة التي قرأ عنها في الكتب – فهذه "الحقيقة" مُسقَطة ذاتيًّا؛ لأن الذهن إذ ذاك لا يفعل سوى السعي وراء المعلوم، وراء معلوم مُرْضٍ أكثر من السابق. عندما يسعى الذهن إلى الحقيقة فهو يسعى إلى إسقاطه الذاتي، وليس إلى الحقيقة. المثال، في النهاية، مُسقَط ذاتيًّا؛ إنه خيالي وليس واقعيًّا. الواقعي هو الموجود، وليس العكس. لكن الذهن الذي يسعى إلى الحقيقة، يسعى إلى الله، يسعى في الواقع إلى المعلوم. عندما تفكِّر في الله فإن إلهك هو من إسقاط فكرك نفسه، من صنع مؤثرات اجتماعية. لا يمكنك أن تفكر إلا في المعلوم؛ لا يمكنك أن تفكر في المجهول، لا يمكنك أن تركِّز على الحقيقة. ففي اللحظة التي تفكِّر فيها في المجهول فهو ليس إلا المعلوم المُسقَط ذاتيًّا. الله أو الحقيقة لا يمكن التفكير فيه. إذا فكرت فيه فهو ليس الحقيقة. الحقيقة لا يمكن السعي إليها: هي التي تأتي إليك. ليس بوسعك أن تلاحق إلا ما هو معلوم. عندما لا يتلوَّع الذهن بما هو معلوم، وبنتائج المعلوم، إذا ذاك فقط يمكن للحقيقة أن تفصح عن نفسها. الحقيقة في كلِّ ورقة شجر، في كلِّ دمعة؛ وينبغي معرفتها من لحظة إلى لحظة. ليس في وسع أحد أن يقودك إلى الحقيقة؛ وإذا قادك أحد فلن يقودك إلا إلى المعلوم وحسب.

لا تأتي الحقيقة إلا إلى الذهن الخليِّ من المعلوم. إنها تأتي في حالة يكون فيها الذهن غائبًا، لا يعمل. الذهن مستودع المعلوم، نفاية المعلوم؛ فحتى يكون الذهن في تلك الحالة التي ينوجد فيها المجهول يجب أن يكون واعيًا نفسَه، تجاربَه الماضية، الواعي منها وغير الواعي، واعيًا استجاباتِه، ردَّاتِ فعله، وبنيتِه. وعندما تكون ثمة معرفة كاملة للنفس، إذ ذاك تكون نهاية المعلوم، إذ ذاك يكون الذهن خليًّا تمامًا من المعلوم. إذ ذاك، وإذ ذاك فقط تأتي الحقيقة إليك بلا استئذان. الحقيقة ليست مُلكًا لك أو لي. أنت لا تستطيع أن تعبدها. فلحظة تُعرَف فيها لا تكون حقيقية. الرمز ليس حقيقيًّا، الصورة ليست حقيقية؛ ولكن عندما يكون ثمة فهم للذات، إبطال للذات، إذ ذاك فقط تنوجد الأبدية.

***


horizontal rule

* كلمة سنسكريتية تعني حرفيًّا "كاشح الظلمة" وتشير في الهند إلى "الشيخ" أو "المرشد الروحي". (المترجم)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال يوسف وديمة عبّود