english

لقد أضعتُ أخي

 

تيك نات هانه

 

منذ عدة فصول خريف خلت، مشيتُ صاعدًا نحو شجرة الصنوبر في الفناء الخلفي لمنزلي، وسألتها سؤالاً واحدًا: "ما هو العنف المؤسساتي؟" لم تُجِبْ الشجرة فورًا. لذا جلست عند جذعها منتظرًا. كانت الأوراق الزاهية الألوان تغطي ساحة الفناء الخلفي، والهواء عليل، فنسيت فجأة أنني انتظر جوابًا. كنا أنا والشجرة فقط هناك، ممتّعين نفسينا وبعضنا البعض. وبعد جلوسي فترة طويلة، التفتُّ إلى الشجرة، ابتسمتُ، وقلتُ: "لم أعد بحاجة إلى جواب". ثم شكرتها ومنحتها "جائزة السلام الكبرى العابرة للحدود القومية".

حين أخبرت أصدقائي بالأمر سألني أحدهم: "أتمنح جائزة السلام غالبًا؟". لم أدرِ كيف أُجيب. أردتُ أن أفعل، لكن الأمر كان شائكًا. وسألتني أخرى: "ماذا كان جواب الشجرة على سؤالك؟". مرة أخرى، لم أعرف ماذا أقول، لذا استحثّيتها أن تخرج وتسأل الشجرة.

عندما كنتُ راهبًا قيد الترسيم تم تعليمي النظر بعمق إلى شجرة سرو، وتعلمت أن النظر إلى شجرة سرو يمكن أن يكون مفيدًا جدًا. وفي الحقيقة، غالبًا ما يكون تأمل شجرة سرو أيسر من التحدّث إلى شخص. فقبل التحدث مع كائن بشري، يمكن لمراقبة شجرة سرو أن تكون ذات فائدة. وقريبًا سأنظِّم "مؤتمرًا دوليًا" حول "مراقبة الشجرة". وسيجلس كل المتباحثين في غابة وينظرون إلى أشجار السرو والصنوبر الجميلة فحسب. ثم، في ورشات العمل، سيكون بوسعنا مناقشة استراتيجيات من أجل مراقبة الشجرة، وأيضًا مبادئ من أجل تقدير الكائنات البشرية، حتى أولئك الذين لا ينظرون أو يفكرون بالضبط كما نفعل نحن. وحين أخبرت شجرة الصنوبر بهذا، بدأت في الضحك. كانت الشجرة تفكر بمؤتمر خاص عُقِد في أحد فنادق الهيلتون لمعالجة مشاكل العالم الثالث، ولم تسنح الفرصة لأيٍ من ممثّلي العالم الثالث للكلام لأن متحدِّثين فصحاء من العالم الأول تحدثوا نيابة عنهم. فبالنسبة لهم، كان من الصعب جدًا الاستماع إلى ممثلين حقيقيين للعالم الثالث، خصوصًا أولئك الذين لا يتفقون معهم في الرأي.

* * *

لقد أضعتُ أخي، ولا أعرف أين أو كيف أعثر عليه. كان أخي متهمًا بتخريب وحدة الجماعة لأنه أراد القيام بالأمور بشكل مختلف. الجماعة مستمرة الآن، لكن أخي مفقود. لقد قمت برحلات حجّ لسنوات باحثًا عنه، لكن بدون مساعدتكم لن أُفلح مطلقًا.

بالأمس، وقفت في حديقة أراقب بكل حواسي طفلاً في الثالثة من عمره، وكنتُ محطّم الفؤاد. عندما يقول الناس: "الأمور ليست بالغة السوء"، لا أكون متأكّدًا من فهمهم. فإذا واصلنا العيش بالطريقة التي نفعل، أي نوع من العالم نخلّفه لأطفالنا؟ وهل نحن نخلّف عالمًا على الإطلاق؟.

أعرف أن أخي لا يزال على قيد الحياة، وسأطوف أركان المعمورة لكي أجده. لكني بحاجة لمساعدتكم حقًا. فهل ستساعدوني؟ ربما من الصعب تمييزه، لكنني أعتقد أن الوقت قريب. عندما كانت بقيّتنا غافية، أبصر أخي ما كان يحدث. وحاول أن يخبرنا، لكننا لم نُصغِ قط. كنا منهمكين بفعل أشياء أخرى - ممارسة التأمل، الصلاة، تلاوة الكتاب المقدس. لم نكن يقظين على الإطلاق.

اعتقد الناس أن أخي كان خطِرًا، لكن هذا مجافٍ للحقيقة. إنه صريح لكنه ليس خطِرًا. في الواقع، عدم الإصغاء إليه هو ما يشكّل خطرًا. شخص مثل أخي يجب أخذه بعين الاعتبار. فحين أفكر فيه أعرف أن السلام ممكن. أرجوكم، ساعدوني على العثور عليه، فإن حالفنا الحظ سيكون ثمة أمل.

يمكن ألا نفلح أبدًا إن حاولنا إزالة القنابل من منطقة نائية. القنابل هي نحن، وأخي يفهم ذلك. كان يتساءل لماذا نُصدِّر الأسلحة التقليدية إلى دول العالم الثالث الأكثر فقرًا، في حين أن الناس هناك يموتون من الجوع. لست أحاول أن أبعث الحزن في قلبك.. أريد فقط أن تتشارك مع ما قاله أخي حول بعض الأمور.

عندما أنظر إلى الطفل ذي الثلاثة أعوام.. عندما أنظر إلى شجرة الصنوبر، أشعر بمسؤوليتنا المشتركة تجاه مستقبلهما. لا أملك مالاً، ولا أسلحة، لكنني أعرف أنني في حالة من عدم الانتباه الكافي، أفسحتُ المجال للموقف أن يتطور إلى هذا الحد. نحن جميعًا منشغلون كثيرًا، وستكون لدينا فرصة إن عاد إلى البيت حالاً. هذا ما ينتابني من أحاسيس، لكنني لست على يقين من أننا جميعًا سنكون قادرين على الإصغاء إليه أو فهمه. لدينا فرصة فقط إن كنا قادرين على سماعه وفهمه حقًا. فإن فعلنا، لربما نكون مستعدين لتغيير أساليبنا. ما زلنا لا نعرف كيف نُعْنى به. ولذا، يتوجب علينا الاستعداد. علينا النظر بعمق في حياتنا اليومية، وفي الأساليب التي نفكر ونعمل بها، ونبدأ العيش بطريقة تتيح لعودة أخي أن تكون ممكنة، تتيح للمستقبل أن يكون ممكنًا.

قال أخي: "كل شخص هام. كل كائن هام. كل لحظة هامة". وأنا على يقين من أن شجرة الصنوبر والطفل ذا الأعوام الثلاثة يفهمان هذا. فرصتنا من أجل السلام ليست متأخرة؛ إنها الآن. كان أخي يُعتبر خطِرًا جدًا بالنسبة للرفاهية المادية للمجتمع. كان راديكاليًا إلى حدّ ما، وصريحًا جدًا. ولهذا السبب لم نردْه. لكن يمكنني أن أؤكد أن شخصًا مثل أخي يجب أخذه كثيرًا بعين الاعتبار. أنا أؤمن الآن بأخي، لأنني كلما فكرتُ فيه، أشعر بأن أيّ شيء ممكن. أرجوكم ساعدوني. أرجوكم كونوا يقظين. فأن كنتم يقظين بما فيه الكفاية، ستعثرون على أخي. أرجوكم لا تدعوني أقاسي بشِدّة. أخبروني، أكتبوا لي، اتصلوا بي عبر الهاتف في اللحظة التي ترونه فيها. أعرف أنه ربما من الصعب تمييزه، لكنه هنا وهناك. ربما يعيش في دير، أو في مكان ما في الشارع، أو في ساحة السوق. أو لربما هو في قلوبكم.

ترجمة: غياث جازي
تدقيق: أكرم أنطاكي

*** *** ***

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود