إشارات باتجاه صحوة مدنية

 

ميشال شماس

 

المتتبع للأوضاع في البلدان العربية والمنطقة، في العقود الثلاثة الأخيرة، سوف يلحظ تنامي التيارات الدينية على حساب التيارات القومية والماركسية والمدنية التي كانت قد تصاعدت حركتها منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى السبعينات من القرن العشرين. وأصبح أصحاب مشروع الدولة الدينية، من تنظيمات وأحزاب وحركات دينية، يتصدرون الساحات والمواقع بعد أن تنازلوا عن خلافاتهم، ووحدوا صفوفهم، ونجحوا بجرّ القوى التي ترفع شعار الحرية والديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية إلى جانبهم لخدمة تحقيق هدفهم النهائي في إقامة الدولة الدينية. وقد برز ذلك بوضوح بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في نهاية السبعينات التي أعطت دفعًا قويًا لما بات يُعرف بالصحوة الدينية حتى عمّت المنطقة كلها، ولم تقتصر تلك الصحوة على فئة دينية معينة بل شملت كل الفئات والدول، بدءًا من الهند وباكستان وأفغانستان والصومال والجزائر مرورًا بلبنان وسوريا وفلسطين وكل الدول العربية، وقد لعبت كلاً من إيران والسعودية دورًا محوريًا في تأجيج ودعم التيارات الدينية كل حسب مصالحه الخاصة.

وقد جرى كل ذلك على حساب مشروع الدولة المدنية، هذا المشروع الذي تخلّى عنه المدافعون الأساسيون بعد أن انخرطوا في إقامة تحالفات وتفاهمات مع مناصري مشروع الدولة الدينية، معتقدين خطأ أن تلك التحالفات والتفاهمات ستمكنهم من جديد من استعادة حضورهم ومجدهم الغابر، حيث لم يعد يذكرنا بهوية تلك الأحزاب والقوى والتنظيمات وتوجهاتها المدنية سوى الاسم فقط وبعض الممارسات والمظاهر الخجولة إن وجدت.

ورغم كل هذا الصخب الديني والطائفي والمذهبي الذي غطى، ومازال يحاول أن يغطي، سماء المنطقة بسحب رمادية وسوداء، فلم يستطع حجب تلك الإشارات والظواهر التي أخذت تجري في غير بلد عربي تدل أو ربما تؤشر على بداية تراجع لما سمي بحركة "الصحوة الدينية" في عدد من البلدان العربية والمنطقة، وصعودًا للتيار المدني الذي يؤمن بالدولة المدنية كبديل عن الدولة الدينية. ومن المؤشرات الدالة على ذلك ما جرى في الكويت مؤخرًا، حيث خسر إسلاميو الكويت الانتخابات النيابية ونجح الشعب الكويتي في إيصال أربع نساء كنائبات إلى مجلس الأمة في تحد واضح وكبير للجماعات الدينية التي كانت تعارض بشدة ليس قيام المرأة بترشيح نفسها وحسب، بل وحتى منحها حق التصويت. والمبادرة التي أطلقها عدد من الرجال في البحرين لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي يعتبر إنشائها انتصارًا لثقافة العدالة والمساواة في مواجهة ثقافة العنف والتهميش. وما شهدته، ومازالت تشهده، إيران بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية من حركة اعتراضية كبيرة ليس على نتائج تلك الانتخابات وحسب، بل إن الأمور وصلت إلى حد الاعتراض على ولاية الفقيه، وما أدى ذلك إلى اهتزاز صورة مرشد الثورة علي خامينئي في نظر أوساط واسعة من الشعب الإيراني، تلك الحركة التي مازالت مستمرة إلى الآن. وما شهدته سورية مؤخرًا من حركة اعتراض واسعة شملت أطيافًا مختلفة من الشعب السوري ضد مشروع الأحوال الشخصية الذي أراد معدوه العودة بسورية وشعبها إلى عصور التخلف والانحطاط، هذه الحركة الاعتراضية التي أجبرت رئاسة الحكومة السورية إلى التراجع مؤقتًا عن هذا المشروع الظلامي، مما يؤشر على أن المعركة مازالت مستمرة ليس ضد هذا المشروع وحسب، بل وضد العقلية التي أعدته ومازالت تقف خلفه.

إنها مجرد إشارات ودلائل متفرقة هنا وهناك لازالت في بداياتها، لكنها بلا شك تدل بوضوح على أن أنصار مشروع الدولة المدنية قادمون لا محالة، فالمستقبل لن يكون بالتأكيد مع الدول الدينية، بل مع الدول المدنية التي تعتمد في بنائها على العقل البشري واحترام الإنسان باعتباره حجر الزاوية في أي تطور أو نجاح.

*** *** ***

كلنا شركاء، 9-8-2009

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود