انتحارات وقصائد أخرى

 

وائل شعبو

 

انتحارات

رصاصة ستبطئ سرعتها في رأسي
سأموت بها
دون أن أقبض على لحظة حب كثيرًا ما توهمتها
بسبب حماقاتي التي تكره حماقات الحياة
بسبب حماقات الحياة
التي تحب حماقاتي.

*

حبوب تنويم سأمضغها مع زجاجة جِن
ستنيمني... ستميتني...
... سأموت من دون دموعي المزرَّقة من البكاء
بكيتها لأغسل بها ثديي ذئبتي
من سخام أقمار صدئة
تتفسخ في السماء.

*

وريد ينبض بضجر...
من ضجري سأفصده

يهرب منه النمل الأحمر السكران
يسيل بحثًا عن السُكَّر في التراب
ليرمم به تلف الأعصاب الهادئة
... سأموت دون أن أقيء وحشتي كلها
على الناس المتزاحمين
المنهمكين في غرائز الجسد
ليتناسوا غرائز الروح.

*

انفجار هائل صغير
سيشعلني كألعاب نارية
يساقطني بين أكوام كتب كثيرة
أغنيها... أرسمها... أرقصها
فأموت دون أن أبصق الحياة في وجه السماء
مضغة َ تراب حامضة
ابيضَّت في فمي.

*

شحنة كهرباء عالية
ستصرصر في خلاياي
توترني عاليًا حتى الرماد...
... سأموت دون أن ألاعب نهودهن وأفخاذهن وأردافهن
النساء الاستعراضيات
اللواتي لا يساوين عندي شيء.

*

غطسة مكبل الرجلين واليدين
ستبكيني تحت الماء
تطفر فيه دموعي فقاقيع تحمل ندمي
إلى الندى الشغوف
الذي لم أكن بزهوه
... سأموت دون أن أجمح كليلٍ هارب من هول حريق
دون أن أستكين
كقطفة ياسمين
في كأس ماء.

*

قفزة عالية من ارتفاع شاهق لقلبي
ستوصلني إلى شاطئ القمر
أحكي له عما كنته من رمل طري
يحكي لي عما كانه من أمواج محروقة
... سأموت دون أطفالي يخبئونني في غميضتهم
دون أن أتشمم رائحة أجسامهم ومشاعرهم
دون أن أُسبِّح بأصابعي
ابتساماتهم وأصابعهم.

*

بحبل قصير
أقصر من كذبات الحياة الشفافة
سأعلق رقبتي
يجرني إلى سكرة مملة بين نيتشه والمسيح
إلى رقصة صوفية
بين سالومي والمجدلية
... سأموت تاركًا ظلي مرقَّعًا كراية بيضاء
مهترئًا من مقاومة الحياة
بالشعر الجميل الذي هو
غلالة الفقر الجميل.

*

طعنة من الضوء العابث في عينيها
ستركعني أمامها مرفوع الرأس
طعنة ملوثة بماء عذَّبتُه لعمادها
أموت فيها دون ضجيج يستحق
دون هدوء يستحق
هكذا
بلا موت
مدفونًا أُخرج وجهي مصليًا للروح التي هربت مني
أن تعيد جسدي ذرة... ذرة...
إلى ذراتها التي في عينيها
في لسانها وعظامها وشعرها
في دهنها وأظافرها ورئتيها
في فرجها ودماغها وأسنانها...
اللائي أعبدها ذرة... ذرة...
بمجون
بتصوف
بمجون.

***

بدون عنوان

1

أنِّثيني
كوني خائنة كحياة
لكن وفية كالموت
فأنا وحيد كإله... عفوًا ككلب
وافتحي لي أرضك
لألجك يا سماء
افتحي
ولترعدي رعودي الحمراء
ترشم الدم على وجوه الكائنات
تنام الحياة جانبهم
وحيدة.

2

أه له
هفهاف العشب تعلق به الريح العابقة بالدم العذب
أهٍ لها
اللائذة باللذة
الناجية من فخاخ جسمها ووشومه البذيئة
يغفُّ عليها هباب عيني
يلعق عسله
المحمر من الحلاوة.

3

أيتها الروح
ساعديني لأهزم عقلي المفقوء الدموع
لأمسك هذا العمر الأدرد كفقاعة
تطير في حضن العتمة الإلهية
المتوحش المسكين أنا
أسوط مشاعري المسكينة
لأصل إلى الحياة قبل الموت
المتوحش المسكين
في حياته التي يعيشها حبيبة محتملة
أفوزها لا أرتاح
أخسرها
لا أرتاح.

4

بلا أحاسيس ميكانيكية
أو إلكترونية
قَلِقٌ هكذا
أخاف كل شيء إلا الله
في الحياة التي لا تصالحني إلا بالموت
كثيرًا ما أنظر إلى السماء
لأعرف أين أضع قدمي
كثيرًا ما تتنفسني الغيوم سدىً
كثيرًا
ما أراقب سذاجتي
لأعرف كيف يعرفني طريقي
رغم كل المرايا الخائنة
في وجهي.

5

تتهيأ لي ضحكتك كأس عرق مثلج
مرَّ كثير من الغياب
هل ما زلت ترى سناء محيدلي حقيقة كإلهة؟
هل ما زالت إناثك الفرنسيات؟
ينتشلن شيئًا من جسدك
من حبك
من المشاعر النباتية التي نتشابه بها
هل ما زلت تلعب لعبتنا في فرفطة الكلمات؟
لنأكلها مع السباغتي "التونسية التأنيث" أو
لنبحث في فتاتها عن صحو كثيرًا ما قئته عندك
لأني لم أتعلم كالخيميائي
الكتابة بالضوء
ليفهمنا من كان يسهر معنا من ملائكة
تحسدنا على الجسد الذي نسكر و نضحك به
مع حزن زياد رحباني الرائع
أتذكرك دائمًا
فيحضر غيابك أكثر
غياب صرت أعلم وأنا فيه
أن هنالك من لا يموتون
حتى لو قتلتهم بيدي
مثلك كاتب الخطيب.

6

تنام على طاولتها
هي لا تخاف الحركات اللإرادية للألم
تستيقظ على بلل حيضها
تضع فوطتها
تشعل شمعة للصبح
تحملها إلى نافذتها المطلة على مدينتها الغبية
تشرد بالغبار البارد لبقايا العتمة الباهتة
متذكرة الثلج الأسمر.

7

عليَّ أن أصبح شاعرًا
لذا أسائل العدم
حتى تؤلمني أفكاري؟

*

أحاول أن أكشف عناصر الثدي الأول
لأهجي بها
أحجيات العيش
فقد أكون
شاعرًا.

8

الحياة مسألة شخصية جدًا
وكل امتداد لي حتى الله هو أنا
فلا أكذبنَّ على أحد إلا بموضوعية
والكذب بغير موضوعية جريمة غباء
لذا يكون الشعر مَهرَبًا من الغباء
أو إلى الشعر
من الأداة إلى الجدل معها
لأنتهي نقيًا من الاعتياش
نقيًا
مما لا أدري.

9

أكتب قصائدي مقاومًا السذاجة البشرية
وأسخر عندما اضطر للألم
فالسخرية ألم ماكر
لا يجد ما يفعله
لذا قد يأتيني الضحك وأنا أبكي
لأنني أنتظر العدل
الذي لن يجدي شيئًا.

10

الذين يحلمون بالجنون
الذين يحكي الشعراء عنهم
الشعراء...
الذين في غفلة من أي موت
ومن الحياة
"كي لا تفاجئهم أية حياة"
يَسرِّون بضع كلمات غريبة لله
تجعله يبتسم.

11

ينهكني الشعر
كأنما ضاجعت عدة نساء في القصيدة الواحدة
ولا أقصد البذاءة هنا
لكن الشعر بذيء كالجنس.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني