|
شَذَراتٌ من تاريخٍ للغيم أدونيس
1
آهٍ،
كلا لا أريدُ لعينيَّ أن
تسبحا في فضاءٍ غير عينيه. كلا لا أريدُ لحبِّي
وأشيائه وضوحاً لا أريدُ انتماءً ولا
نَسَباً أو هويَّه لا أريدُ سوى أن
نكونَ لغاتٍ للجُموحِ، وأعضاؤنا
أبجديَّه. *** 2
كنت أرْوي لكِ
الجرحَ، لكنْ (كان بيني وبينكِ ما لا يقال)، دخلنا
بيتَنا (ما دعوناهُ بيتاً)، كان شبَّاكُنا
يتهجَّى مراراتِنا. كنتُ أروي لكِ الجرحَ
(هل كنتِ تُصغين؟) جرحٌ بعدُ لم يتحرَّر ليلُنا من
مَجرَّاتِه، ومن قَيْدِه. قيدُه ما وَهِمْنا،
مرَّةً، أنه حبُّنا. *** 3
ما الذي ضاع منَّا
ومازال فينا؟ ما الذي فرَّقتْنا
مسافاتُه ويوحِّد ما بيننا؟ ما أحنَّ وما ألطفَ
الهباءْ جسمُه الآن في هذه
اللحظاتِ وجسمي سواءْ. *** 4
لا أحبُّكَ إلا
لأنِّي كرهتُكَ يوماً، أيُّها الواحدُ
المتعدِّدُ في جسمِه. آهٍ، ما أعمقَ الحبَّ
كرهاً، آهٍ، ما أعمقَ الكرهَ
– حباً. *** 5
بعد هذا التشرد ملءَ
المدائنِ بعد السنين التي أرهقتْ كاهليَّ،
أغنِّي لنا لطفولاتِنا لا أصدِّق أنِّي
شيَّخْتُ، أمشي غريباً لا عزاءٌ ولا أتشكَّى لِحبِّي وموتي
فَلَكٌ واحدٌ وأغوي من يجيئون بعدي أن يضيئوا بنورِ
الجَسَدْ ظلماتِ الأبدْ. *** 6
ها هنا نحنُ – وجهاً
لوجهٍ في فضاءِ جراحاتِنا. البرودةُ بيتٌ لنا،
وأزاهيرُنا مثلما تكتبُ الريحُ
أسفارَها: غبار. لم يعدْ يعرفُ الليلُ
كيف يُحيِّي قناديلَنا. *** 7
لا تقُلْ، لا تُسمِّ:
الخليقةُ يا حبُّ، أشياؤها وأعمالُها صورٌ في كتابٍ من
الظنِّ. خذني، أعْطِني أن أسافرَ في
الوَهْمِ، في ما تخيَّلتُ أو
أتخيَّل، أن أتمادى وأشهِّي
شكِّي بنفسي وبتمزيق ما تنسجُ الكلماتُ
وما أتقرَّاه فيها وما أشتهيه وأفكِّر فيه وأنذرُ جسمي
لمعراجِه. أعطني أن أكونَ
الطريقَ إلى لا قرارٍ. *** 8 سأزورُ المكانَ الذي
كان صيفاً لنا بعد ترحالنا بين شطآن عوليس، في
ليلِ دِلْفي وفي شمسِ هِيدْرا وسأمشي
مثلما كنتُ أَمشي تائِهاً بين أشجارِه. سأذكِّر أزهارَه
ورياحينَه بأريجِ لقاءاتنا وبعفو إلهاتنا عن خصوماتنا
وأخطائنا. وأكيدٌ ستسألني عنكِ:
ما صِرْتِ؟ أين تكونين؟ ما
وَجهُكِ الآن؟ لكنْ ما تُراني أقول؟ والفصولُ مَحَتْها
الفصول؟ *** 9 غالباً أتفقَّد
بيتيَ في الليل، أُشعلُ ضوءَ المصابيح،
لكنَّها لا تُضيءُ، النوافذ؟ أبدأ فتحَ
النوافذ لكنَّها لا تضيءُ – لعلِّيَ في الباب ألقى ضياءً: أقول
لنفسي، وأُسرعُ للبابِ أرجوه لكنَّه لا يضيءُ –
"الظلام هنا مثل جُرح يظلُّ، على بُرئه، نازفاً"،
يقول لِيَ الحب. يا حبُّ من أين يأتي الضياءْ والسَّماءُ تخونُ
السماءْ. *** 10 بعد أن شربتْنا
مفاتِنُ أعضائنا وشربنا الشُّموسَ –
دياجيرَها وقناديلَها، لِنقلْ: إننا نضجنا
مثل عنقودِ كَرْمٍ يعشقُ الكَرْمُ بعد
العلوِّ الهبوطَ حيثُ ينحلُّ، يهدأ في
الدنِّ ينسابُ في الجسَدِ الآدميِّ، ويعلو من
جديد إلى ربِّهِ. نضجَ الحبُّ فينا
نضجْنَا فسقوطاً سقوطاً يا
عناقيدَ أيامنا، ما أحرَّ النضوج وما
أكرمَ السقوط. *** *** *** |
|
|