النباتيون وأكلة اللحوم

بين السموِّ والغلو

 

فاتنة شامي

 

ألقى الأستاذ كمال راغب الجابي في المركز الثقافي العربي محاضرة بعنوان "النباتيون وأكلة اللحوم: بين السمو والغلو"، بيَّن فيها أن التفاوت الكبير في الدخل يؤدي إلى اهتزاز الشعور بالارتباط الإنساني، وأن استهلاك اللحوم – تحديداً – الناجم عن هذا التفاوت، يجعل من الفئات كثيرة الاستهلاك للُّحوم أقرب ما تكون إلى الكائنات الحية المفترسة!

إن جذور الإسراف في استهلاك اللحوم تعود إلى ممارسة بعض أفراد المجتمعات ذات الدخل المرتفع لأعمال الصيد والقنص؛ مما جعلهم يتخذون الصيد أسلوباً والقنص وسيلة لتطوير الدخل وتحسينه، ويدفعهم، بالمقابل، إلى تربية الحيوانات المنزلية كتعويض عن مشاعر القسوة التي ترافق أسلوب حياتهم.

وقد رأى أن "الغلو" يقرِّب المسافات بين النوازع الافتراسية لدى هذه الكائنات. أما "السمو" فيرتفع بالإنسان، ويجعله يبتعد في سلوكه عن أسلوب تعامل الصياد مع الفريسة. وجذور هذه الفكرة، كما حدَّدها أ. الجابي، تعود لنوازع السلام والتناغم مع الطبيعة، المتمثلة في الإقلال من استهلاك اللحوم، وممارسة أفراد بعض المجتمعات ذات الدخل المنخفض لأعمال الرعي، ونشوء نوع من التعاطف بينهم وبين الحيوانات التي يقومون برعيها نتيجة مرافقتهم لها في أغلب الأوقات.

وقد رأى أ. الجابي أن النباتيين من الفئات التي تعمل على مواجهة بعض مغريات الحياة بالترفع عنها وعدم الالتفات إليها؛ وهي فئة تمارس نوعاً من أنواع التصوف الذاتي والحكمة الداخلية، وتتميز برقة المشاعر وحيوية الضمير. وهذه الفئة محدودة، لا يقبل أفرادها استغلال الحيوان لمصلحة الإنسان عن طريق ذبحه لاستهلاك لحومه.

وقد قسَّم أ. الجابي النباتيين إلى 3 فئات:

-       الأولى هي الفئة التي تتمتع بدفء المشاعر والنزوع إلى التصرفات الإنسانية. ووضَّح المُحاضر أن هذه المشاعر ليست حكراً على هؤلاء، وإنما قد تكون موجودة لدى غيرهم، ولكن بدرجات متفاوتة. وهذه الفئة لا تمتنع فقط عن أكل لحوم الحيوانات بجميع أنواعها (برية، بحرية، طائرة)، بل قد تمتنع أيضاً عن أكل منتجاتها كلها.

وحلَّل أ. الجابي أن الإنسان، إذا استطاع أن يمتنع عن أكل اللحوم وألبانها، فإنه من الصعب أن يمتنع عن استخدام المنتجات الحيوانية بشكل مباشر لأنها لا تدخل في غذائه فقط، بل وفي ملبسه من الجلود والأصواف، وفي استخداماته الصناعية من القرون والأظلاف. كما تُستخدَم المفرزات الحيوانية كأسمدة؛ ولذلك فإنها تنتقل إلى النبات وتدخل في تركيبه. فالحياة، ككل، تقوم على مبدأ الآكل والمأكول.

-       أما الفئة الثانية فهي الفئة التي لا تستهلك لحوم حيوانات أو طيور قامت بتربيتها؛ لكن ذلك لا يمنعها من استهلاك لحوم الحيوانات أو الطيور المرباة عند غيرها التي لا توجد معها مثل تلك الرابطة. وقد رأى أن تربية الحيوانات المنزلية الأليفة تُعتبَر نوعاً من أنواع تلبية الاحتياجات العاطفية، وشكلاً من أشكال الرغبة في امتلاك كائن حي سميع ومطيع.

-       الفئة الثالثة هي الفئة التي يمتنع أصحابها عن تناول اللحوم أو منتجاتها لأسباب صحية.

ثم عرض الأستاذ الجابي للنواحي المتعلقة بالعروق الحيوانية الأليفة، ولانعكاسات استئناسها على استهلاك منتجاتها، وللأضرار الناجمة عن بعض العناصر التي تحتويها هذه المنتجات. وقد أكد المُحاضر، في هذا الصدد، أن تناول اللحوم، ولاسيما النخاع والأحشاء والبيض، يؤدي إلى زيادة الكوليسترول في الدم في حال الإفراط، بسبب كونه العنصر الرئيسي في المادة التي تترسب داخل الشرايين وتمهِّد للإصابة بالجلطات وما يرافقها من نوبات قلبية ودماغية قاتلة. وبيَّن أيضاً أن كل 85 غ من نخاع الخروف أو كلية البقر أو كبد البقر تحتوي، على التوالي، على: 2170، 680، 370 ملغ من الكوليسترول، فيما تحتوي البيضة الواحدة على 375 ملغ؛ بينما لا تحتوي الخضار والزيوت النباتية والفواكه على أية كميات منه (علماً أن حاجة الإنسان اليومية من هذه المادة هي بحدود 200-300 ملغ).

كما وضَّح أن الإفراط في تناول البروتينات، بشقَّيها النباتي والحيواني، يؤدي إلى حدوث مرض النقرس (أو زيادة نسبة حمض البول) الذي يسبب آلاماً حادة في المفاصل. وأشار كذلك إلى أن الحصول على لحوم الاستهلاك البشري يجري من حوالى ثلاثين نوعاً فقط من أصل خمسة عشر ألفاً من أنواع الحيوانات الموجودة على سطح الأرض. ناهيك أن تطوير أساليب الاستئناس أثَّر على نمو الحيوانات، فزاد وزنها وزاد إنتاجها من الحليب وتغير لونها، وأثَّر أيضاً في إنتاجها، ليصير على مدار السنة، بعد أن كان موسمياً، الأمر الذي نشأت عنه عروق حيوانية متخصصة بإنتاج اللحوم، وأخرى متخصصة بإنتاج الحليب، وثالثة ثنائية الغرض، وغيرها.

وقد أشار أ. الجابي بضرورة اتباع نصيحة بعض العلماء في بناء الجسم البشري، والاحتفاظ بالحيوية والنشاط لأطول فترة ممكنة من خلال رياضة اليوغا، وتناول الألبان والفواكه لمدة شهرين كل عام، ابتداء من عمر 40 سنة، والقيام بغسل الجهاز الهضمي بكامله (القولون بشكل خاص) أربع مرات كل عام، عن طريق شرب ماء مالح فاتر على الريق (بكميات تبدأ بستة أكواب وتنتهي بعشرة أو أربعة عشر). ولتنظيف الوسط السائل في الجسم قال بأن هؤلاء العلماء ينصحون باتباع حمامات الساونا.

وأكد أ. الجابي أن النباتيين، بشكل عام، يعيشون حياة أكثر صحة من فئة آكلي اللحوم، موضحاً أن سُبع طعام الإنسان يجب أن يكون من اللحوم، وسُبعاه من الخضار والفواكه، وأربعة أسباعه من الحبوب.

وفي النهاية ختم بقوله: "إن "السمو" في التعامل بين البشر، باعتباره يمثل التمسك بقيم السماء، هو الذي يعطي الحياة معناها وجوهرها، بينما "الغلو" في هذا التعامل، بما يفرزه من طمع وجشع، يُفقِدُها بهجتها."

*** *** ***

عن تشرين، السبت 9/12/2000 (العدد 7874)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود