|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
لا يحتاج الإنسان اليوم إلى كائن أنتج القول الفلسفي المعاصر أكثر من حاجته إلى الفيلسوفة الألمانية حنا أرانت Hanna Arendt، وليس أبعد إلى الناطق بالعربية فكر أبلغ مما أنتجته فيلسوفة الحب والحرب، ذلك أن ما يعيشه العالم اليوم من أزمات، أزمة حب أولاً وحرب دائمًا. لم تواز باهتمام مماثل داخل العقل العربي المعاصر. من يراجع ما كتبه المفكر العربي عن الحرب حالاً أو سلفًا يجد أن أهم ما يطبع النتاج الفكري العربي صفتا العقم واليتم. فكونه عقيمًا يعود إلى عدم إنتاجه لنصوص كبرى تبحث في العنف بجميع أشكاله، وكونه يتيمًا يعود إلى أنه لا يعدو أن يكون مقالة هنا وأخرى هناك، لدرجة تجعلنا أدنى إلى القول من أن القول في العنف ما زال داخل الوطن العربي كلامًا صحفيًا وفقهيًا، لا نظرًا فلسفيًا أو علميًا...
هل لا يزال ممكنًا الحديث عن حل سلمي للأزمة السورية؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال، خصوصًا بعد تفجيري 17 آذار (مارس). فمن جانب، لا تزال النسبة الغالبة من المنتفضين في سورية لا يملكون إلا صوتهم وحناجرهم وأقلامهم التي يخطُّون بها شعاراتهم على اللافتات، ويثبت ذلك من جديد التظاهرات السلمية التي انطلقت في الذكرى الأولى للانتفاضة السورية. ومن جهة ثانية، تزداد في شكل بيِّن الأعمالُ العسكرية التي تتم بين جنود سوريين نظاميين ورجال أمن وميليشيات موالية للنظام وبين منشقين عن الجيش ومنتفضين امتشقوا السلاح باعتباره آخر ملاذ لهم: إما لأنهم مطلوبون أو لأنهم فقدوا عزيزًا على يد الأمن أو لخوفهم من أن تستباح بيوتهم ومواطن أمنهم. بيد أن رد السلطة في الحالين كان واحدًا. فسواء أكان الاحتجاج سلميًا أم مسلحًا، كان رد السلطة هو استخدام الذخيرة الحية وقتل المحتجين أو اعتقالهم وتعذيبهم وترويع أهلهم، وفق تقارير محلية، وأخرى صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية عالمية من مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من عام 1927، وبينما كان غاندي في مانغالور [مَـنْـغَـلُور] Mangalore في جنوب غرب الهند، تلَقَّى رسالةً من نائب المَلِك، اللورد إيروين Lord Irwin، يدعوه فيها للقائه بتاريخ الخامس من تشرين الثاني/نوفمير. فعاد غاندي على الفور إلى دلهي حيث استقبلَه اللورد إيروين مع عدة قادة سياسيين هنود آخرين. وسلَّمَهم اللوردُ إيروين مذكَّرةً تعلن أنَّ أمين سر دولة الهند [وزير دولة الهند] في الحكومة البريطانية، اللورد بيركينهيد Lord Birkenhead، ينْوي قريبًا إنشاءَ لجنةِ تحقيقٍ برلمانيةٍ وظيفتُها دراسةُ وضعِ الهند السياسي وإبداءُ الرأي في إمكانية تعديل نظامها الدستوري. وعندما طلبَ غاندي من نائب الملك إنْ كان هذا هو السبب الوحيد الذي من أجله كان على غاندي أنْ يقطعَ قرابةَ الألفي كيلومتر، تلَقَّى غاندي ردًا بالموافقة. عندئذٍ لفتَ نظرَ مُحاوِرِه إلى أنه كان سيكفي أنْ يرسلَ له بطاقةً بريدية، وتوقَّفت المحادثةُ هنا.
... والأشدُّ هولاً هو أنَّ هؤلاء الناس أنفسهم يمتلكون السلطة على الآخرين..؛ فما العمل؟ ما الوسيلة للقضاء على ذلك؟ هناك وسيلة واحدة فقط: القضاء على جوِّ الاحترام ذاك، على تمجيد الفئة الخاصة بهم، وعلى تمجيد بزَّاتهم الرسمية وبيارقهم وغيرها من الأمور التي يحتمي وراءها هؤلاء الناس من جبروت الحقِّ.
الجسد، العقل، الروح: جيوش السلام في أوائل الثمانينيات، التقيت بإرنستو كاردينال في بيركلي، وكان آنذاك وزيرًا للثقافة في الحكومة الساندينية في نيكاراغوا، ولم يكن نصيرًا للاعنف بالتأكيد. كنت متلهفًا لسؤاله عما إذا كانت جماعات "شاهد على السلام Witness for Peace" في بلده قد ساعدت، بشكل ما، على ردع هجمات "الكونترا". وكما تذكرون، هي الجماعات التي تعرَّف فيها متطوعون مصادفة، كصديقتي سو سيفرين، على التأثير الوقائي لتواجد غير مسلح. لكني كنت في الوقت نفسه أشعر بشيء من القلق، لأنني كنت أعرف أنَّ اللاعنف ليس من ضمن اهتماماته. وما كان لي أن أشعر بذلك، فقد قال لي بحماس كبير: «نحن بحاجة للمزيد من هذه الجماعات وعلى وجه السرعة، فحيثما كانوا يتواجدون لم يكن للعنف من وجود!».
|
|
|