|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
في يوم الأربعاء بتاريخ 12 آذار/مارس 1930 في الساعة السادسة والنصف صباحًا، بتأخير يوم عن الموعد المعلَن في رسالة غاندي إلى نائب الملك، يترك غاندي أشرمَ سَبَرْماتي على رأس 79 مشارك في المسيرة. وقبل الانطلاق أعلنَ غاندي: "نلتزم بكفاح مدى الحياة وإلى الممات، في حرب مقدَّسة". في اليوم نفسه، نشرت صحيفةُ لاكروا La Croix الفرنسيةُ على عمودَينِ في الصفحة الرئيسية مقالاً بعنوان: "حملة العصيان المدني في بلاد الهند". وقد وضِعَ في المقال صورةَُ "الخصمين": اللورد إيروين، نائب الملك لبلاد الهند، الذي كان "رجلاً ذا عقلية متحرِّرة، لكنه يعرف كيف يُظهِر حزمًا" وغاندي الذي "يتمتَّع لدى الشعب الهندوسي بتأثير عظيم نظرًا للمقامِ الرفيعِ لحياته التي يطبِّق عليها بعضَ تعاليم الإنجيل الذي كان على ما يبدو يقرأه كلَّ يوم".
لم يُنهِ غاندي عامه الأول في جنوب أفريقيا حين التمعت في ذهنه فكرة اتخاذ القرار. كان عمله لصالح دادا عبد الله يتطلب منه السفر متنقلاً في أنحاء ولاية ناتال الداخلية بواسطة القطار أو المركبات. كان المستوطنون الأوروبيون يسافرون على الدوام في عربات الدرجة الأولى، في حين يُفترَض بالهنود أن يسافروا في عربات الدرجة الثالثة. لكن دادا عبد الله كان قد حجز لغاندي مقعدًا في الدرجة الأولى في القطار. فاستقر غاندي في المقصورة متنعِّمًا بالراحة وحيدًا إلى حين الوصول إلى بلدة ماريتزبرغ Maritzburg الجبلية في المساء. ومن هناك استقلَّ أحد المسافرين القطار، وهو أوروبي، ودخل المقصورة التي فيها غاندي. ألقى مجرد نظرة على الرجل ذي البشرة الداكنة الجالس في المقصورة وغادرها. لكنه ما لبث أن عاد بصحبة موظفي القطار وقال أحدهم لغاندي بلهجة حادة: "عليك مغادرة هذا المكان. إذهب إلى عربة الدرجة الثالثة".
هذا المقال جزء من حوار تقوده "منظمة الحقِّ باللاعنف" في منتديات عالمية مختلفة، آخرها في بيروت الخميس 17/7/2012، وأرى لا بدَّ من إهدائه إلى روح غسان تويني الذي درس رسالة كانط عن السلام الدائم في جامعة هارفرد عندما كان طالبًا فيها قبل نصف قرن ونيِّف، وأغناها بملاحظات مكتوبة تُنشر قريبًا. سوريا على بال الجميع، والعنف في سوريا في المقدِّمة، ما يجعل كل حديث عن الثورة واللاعنف كأنَّه ضربٌ من الهذيان.
قد يكون الراهب باولو دالوليو واحدًا من أكثر السوريين انتمائًا لوطن مشتهى اسمه سورية. فهذا الراهب من أصل إيطالي، اكتسب سوريته بالجهد والعرق والحب لهذ البلد والعمل الدؤوب لخدمته. ودير مار موسى الحبشي بالقرب من مدينة النبك، والذي أصبح محجًا لكل زوار سورية في العقود الماضية، هو خير دليل على الدور الذي لعبه هذا الراهب في ترميم هذا الدير المهجور العائد للقرن السادس الميلادي، وجعله ملتقىً روحيًا وثقافيًا لكل أبناء سورية. كان طبيعيًا أن ينحاز الأب باولو إلى الثورة السورية، وكان طبيعيًا أن يرفع الصوت عاليًا وأن يمضي أسابيعه الأخيرة مع الثوار في مدينة القصير بالقرب من حمص ليحاول أن يصون العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وهذا بالضبط ما لم يغفره له النظام ولا المؤسسة الكنسية الرسمية، فسارعا إلى طرده مخافة أن تتفشى ظاهرة الأب باولو. لكنها مع ذلك ستتفشى وتعم، وسيعود الأب باولو إلى بلده سورية، أبًا لكل السوريين. ع. أ.
منذ عشرين سنة، كتبتُ أربعة أحرف صينية على مظلة مصباح "إن أردتَ السلام، فالسلام رهن يديك". وبعد بضع سنين، في سنغافورا، سنحت لي الفرصة لكي أطبِّق عمليًا ما كتبت. كان العام 1976، وكان العديد منا ينظمون عملية إنقاذ لـ"أناس القوارب" في خليج السيام. كان المشروع يُدعى "عندما يُراق الدم، نعاني جميعنا". في ذلك الوقت، لم يكن الكثير من الناس يعلمون بوجود أناس القوارب، ولم تكن حكومات تايلاند وماليزيا وسنغافورا تسمح لهم بالرسو على شواطئها. كان العرف المتَّبع هو إعادة هؤلاء الناس إلى عرض البحر، ما يعني أنهم قد يلاقون حتفهم، وأنه لن يكون بوسع أولئك الذين على اليابسة التعامل معهم.
أيها السادة الأفاضل! إنَّ الفكرة، التي عبَّرتم عنها في رسالتكم الرائعة، بأنَّ بالإمكان نزع السلاح العام بأسهل السُّبُل وأوثقها، وذلك عن طريق امتناع الأفراد عن المشاركة في الخدمة العسكرية، صحيحة تمامًا. بل إني أعتقد أنَّ هذا هو الطريق الوحيد لتجنيب البشر كافة كوارث العَكسرة المرعبة والمتفاقمة. أما فكرتكم بأنَّ مسألة استبدال التجنيد الإلزامي، بالنسبة للذين يرفضون أداءها، بأعمال الخدمة الاجتماعية، قد تُبحث في المؤتمر القادم، حسب اقتراح القيصر، فتبدو لي خاطئة تمامًا، وفقط لسبب واحد، وهو أنَّ المؤتمر ذاته لا يمكنه أن يكون سوى إحدى تلك الهيئات المنافقة التي غايتها ليست بلوغ السلام بل، بالعكس، إخفاء الوسيلة الوحيدة لبلوغ السلام العالمي، والتي بدأ يراها أفذاذ الناس...
... باسل شحادة ، مخرجُ السبعة والعشرين عامًا عدا الليلة الأخيرة من عمره، غادرَ الولايات المتحدة الأميركية قبل أشهرٍ قليلة تاركًا كل معالم التطور والحداثة هناك وتاركًا منحته في دراسة الإخراج السينمائي وحلمه، ليعود إلى سوريا ويعيشَ مع شعبه محنته في مقارعة الموت وأيام العمل والتعب في صنع الحرية. في الليلة الأخيرة ذهبَ المخرج متوجهًا إلى موقع التصوير في الحولة، حيثُ استشهدَ الأبطال وحيثُ الدماءُ حقيقية ولا دخل للأصباغ في لونها المحمرِّ ألمًا، هناك لا حاجة لإضاءة فالقذائفُ قلَبت ليلَ حمص إلى نهار وحدثُ ذلك اليوم كانَ ضخمًا وفي أعلى درجاته. خرجَ باسل ليصوِّر التهام الرصاص والقذائف لأجساد الناس في حمص لكنه نامَ إلى الأبد عند باب السباع... |
|
|