يعتبر
الفلاسفة اليونان الأوائل مؤسسي حركة التفكير المادي بمعناه العلمي
الفيزيقي، ويعود لهذه الفلسفة الفضل بانطلاقها البدئي من المادة لتفسير
قوى وألغاز الطبيعة، وإن بدت نظرتهم متواضعة إلا أنها تشكل قفزة جبارة
في محاولات تتبع الإنسان للعالم من خلال المادة نفسها الأمر الذي لم
يكن واضحًا في المجتمعات الأخرى.
فقد تميزت هذه الفلسفة وبشكل خاص في حلتها الهلنستية بالنزعة التجريبية
حيث نجد علماء هلنستيين أمثال إراتوستين واسترابون وبطليموس قد وضعوا
أسسًا منهجية للبحث العلمي الذي غلب على الفكر اليوناني طيلة تربعه على
منارة الفكر العالمي، كذلك فعل قبلهما أرسطو الذي وقف على الحد الفاصل
بين الثقافتين اليونانية والهلنستية وقد استطاع أن يحول قوة الفكر
الفلسفي الإغريقي إلى نسق متماسك منطقي وقد قدر لهذا النسق أن يمارس
تأثيرًا هائلاً على التفكير العلمي ومنهجياته لمدة ألفي سنة قادمة،
ولعل ذلك التأثير البالغ للفلسفة اليونانية على العلم خاصة يعود أساسًا
إلى البنية المادية للفكر اليوناني وذلك يبدو منذ تتبعنا لأفكار
الفلاسفة اليونان الأوائل التي تحتوي على ثروات مادية واضحة على الرغم
من الطابع الروحاني الميتافيزيقي الذي تتلبسه، فهؤلاء الفلاسفة قد
نظروا إلى كل شيء من زاوية المادة على الرغم من أن تصورهم كان مختلطًا
على اعتبار أن العناصر التي قالوا بها كمبادئ مكونة للعالم الطبيعي
كانت عندهم عناصر مادية وروحية معًا. وهو ما سنحاول دراسته في الصفحات
التالية.
حمزة رستناوي:
الفكر عمومًا يتأثر بالأبعاد المختلفة للكينونة الاجتماعية ومنها بعد الزمن،
فالفكر كائن تاريخي. إنَّ نفي منطق الجوهر أو نفي وجود هوية جوهرانية للكائن
ليس بجديد في تاريخ الفكر الإنساني، ولكن هذا النفي غالبًا ما كان يقترح جواهر
بديلة، أو صيغ عدمية شكوكية، أو يعترف بوجود جوهر ولكن مع استحالة الوصول إلى
معرفته! ليستْ القضية لوم أو تحميل وزر بقدر ما هي وجود مصالح وصلاحيات فكرية
عقائدية سياسية اجتماعية اقتصادية تتحوَّى مصالح منطق الجوهر، وتستند إليه في
مشروعيتها، سواء صرَّحتْ بذلك أم لا، وسواء عرفَتْ بوجود منطق أرسطو أو كانت
جاهلة به.
إذا كانت الآلهة لا تكترث بأحوال البشر كما يعتقد أبيقور، ولم تهتمَّ
يومًا بهم وهي في أوج صلفها الميتافيزيقي، فلماذا نصرُّ نحن بشر ما بعد
الميتافيزيقا والثورات العلمية والتكنولوجية والبيولوجية على الاهتمام
بها والحديث عنها بإطناب شديد وإحياء مقولاتها الآفلة؟ أليس في ذلك ضرب
من الشيزوفرانيا الإنسانية حين نعلن نحن أبناء الحداثة "التي لم يكتمل
مشروعها" حسب وصف هابرماس لها عن "موت الله" وانتصار الإنسان وانبلاجه
"كسيد على الطبيعة ومالكًا لها" كما حلم بها ديكارت منذ القرن السابع
عشر، مقابل انسحاب الإلهي. ثمَّ نجد أنفسنا بين فكِّي عالم كلٌّ ما فيه
يبعث على الخوف والقلق من تواري إنسانيَّتنا خلف غبار الفضاءات الدينية
خاصَّة بعد أن ساهمت العولمة في إنتاج سوق للاستهلاك الديني، وروجت له
عبر وسائل الاتصال التيكنولجية الحديثة من تلفزة وأنترنات ووسائل
مكتوبة. حيث يتمُّ ترويض عقل الإنسان ومخيَّلته وحواسَّه على تقبُّل
كمٍّ هائل من الصُّور والخطابات المنتحلة للذات الإلهية. وحيث تعود
العين إلى عرفانيتها مصابة بداء الخشوع وهي تحدِّق في صورة رجل دين
أتقن فنَّ التنكُّر في ملابس الزهد وغطى وجهه بأقنعة الآلهة يتصدَّر
عالم الشاشة السحري يمارس فعل الانفعال على المؤمنين ويحثُّهم على ردِّ
الفعل.
لسنا مستعدِّين بعد للتَّواصل مع ممثِّلين عن حضارات غير أرضيَّة.
يعني التَّواصل بالنسبة لي: "لا تؤذِ".
لكنَّنا معشر البشر، لا نزال نقترب من مفهوم العيش في عالم واحد.
يجب أن نتعلَّم التَّواصل في ما بيننا، كي نكون مستعدِّين للّتواصل مع
شكل حضارة لا نعرف عنها أيَّ شيء.
فيودور يورتشيخين، رائد فضاء روسي – في رسالة من المحطَّة
المدارية
مدخل
إشارةٌ لا بدَّ منها، قبل الدخول في التَّفاصيل: حين نتحدَّث عن الفضاء
فعلينا أن نذكِّر أنفسنا باستمرار بأنَّ مقاييسنا الأرضيَّة المألوفة
لا تبقى نافعةً على الأغلب.. فكما أنَّ عددًا من الكيلومترات لا يعني
أيَّ مسافة في الفضاء، فكذلك عدد قليل من الأسابيع أو الأشهر أو حتى
السنين قد لا يكون كافيًا لرصد تغيُّر ذي أهمية على السُّلَّم
الكونيِّ، وإذا أردنا التحدُّث عن تواصل مع كائناتٍ لا أرضيَّة فعلينا
أن نخرج ولا بدَّ من ثقافة الهاتف الخلويِّ والرسائل القصيرة.
هذا
هو الجزء الثاني من نشرنا لترجمة بحث/كتاب روليت وليم سميث الحس
الفطري العام تطوره واضطراباته عن الانكليزية، والتي سبق لموقع
معابر نشر ترجمة الجزء الأول منها بعنوان مقدمة في الحس الفطري
العام،
ومن المفيد هنا التنويه بكون البروفيسور روليت وليم سميث هو عالم وباحث
أمريكي يشغل منصب رئيس المعهد العالي المتعدد التخصصات في بالو ألتو-
كاليفورنيا، وهو مختص في تكنلوجيا الأنسنة، وقد قدَّم دراسات وأبحاث
أكاديمية رائدة في حقول علمية مختلفة منها: الرياضيات وعلم النفس
والبيولوجيا والوراثة الجزيئية.
هناك
العديد من القوى: مُسَّخرة وغير مُسَّخرة، معروفة ومجهولة. الإيروتيكية
قوة متأصلة في كل فرد منَّا وفي عمق ما هو أنثوي وروحي. وهي راسخة
جدًا في عمق مشاعرنا المكبوتة والمبهمة. تُقدِم أشكال القمع، في سعيها
لحماية نفسها، على استغلال أو تشويه منابع القوة المتعددة التي من
شأنها أن تمنح القدرة على تغيير ثقافة المقموع. ويعني هذا قمع
الإيروتيكية في النساء لأنها مورد هام للقوة والمعلومات في حيواتهن.
في المجتمع الغربي علمونا أن نشكك بهذا المورد ونحطَّ من شأنه ونستغله
ونفرغه من أية قيمة. وفي الوقت نفسه دعموا كل ما هو إيروتيكي سطحي
كإشارة على الدونية الأنثوية. وأُجبرت النساء على المعاناة والشعور
بالمهانة والارتياب بسبب وجوده. ولكن هناك فارق صغير بين هذا والاعتقاد
الزائف بأنَّه يمكن للنساء أن يصبحن أقوى بحق من خلال قمع الإيروتيكية
في حياتهن ووعيهن. فقوة قمع الإيروتيكية وهمية لأنها صُيغت وفق أطر
القوة الذكورية.