من
أول الملاحظات التي تلفت الانتباه حول الألوان: لماذا يتميز النبات والكلوروفيل
بلونه الأخضر، ويتميز الدم بلونه الأحمر؟ والغريب أن اللونين هما لونان
متكاملان، بمعنى أن مزج ذبذبات اللون الأخضر والأحمر معًا ينتج اللون الأبيض
لإشعاعات الشمس. يبقى العلم عاجزًا عن هذه الإجابات. لقد درس العلم بإسهاب
فائدة اللون الأخضر للكلوروفيل ودوره الرئيسي في الاستقلاب الضوئي والحياة، لكن
الباحثين حول اللون الأحمر للدم لم يصلوا عمليًا إلى أي تفسير جوهري. يسأل
مثلاً
Allendy:
إذا كان الدكتور اللون الأحمر للدم يشير إلى الإشعاعات الأكثر قوة في ضوء
الشمس، فهل هذه مصادفة ذات أهمية؟ وهل كون الحديد، وهو المعدن الأكثر أكسدة
بأملاحه الحمراء، هو ما تستعمله العضوية من أجل الهدم الاستقلابي مصادفة أيضًا؟
تغمرنا
اليوم ونحن نلج قرنًا بل وألفية جديدة مئات الأفكار العلمية الجديدة التي يتصدر
بعضها أخبار الإعلام بشكل يومي. وعلى الرغم من أن الانتقال الاصطلاحي من قرن
إلى قرن لا يعني شيئًا على مستوى التطور، لكنه يعطينا الفرصة لتأمل التسارع
الرهيب للنظريات العلمية وتطبيقاتها التقنية على حد سواء. نحن اليوم نعيش لحظات
ستصبح متميزة في التاريخ المستقبلي. لقد عمل الإنسان خلال القرون القليلة
السابقة على تعديل حياته بشكل سريع نسبيًا، وخلال بضعة قرون تغيرت معالم
مدنيتنا كما ونفسيتنا واختلفت طرائق تفكيرنا وسلوكنا وتبلورت معاييرنا
ومنظوماتنا الفلسفية والعقائدية. لكن العقود القليلة الماضية وتحديدًا ربع
القرن الأخير، حمل لنا ما يفوق ما حملته لنا الإنجازات البشرية على مدى
التاريخ! وهذا اليقين لا ينبع فقط من التحولات الكبيرة في طريقة تناولنا
للظاهرات وتفسيرها، بل وفي إدراكنا للإمكانيات التي تنفتح أمامنا في تغيير
العالم والإنسان. بعبارة أخرى، يقترب الإنسان من بلوغ مرحلة ينتهي فيها وجوده
على الأرض كطفل يحبو ويكتشف ويلعب أحيانًا مستفيدًا أو مدمرًا. فهو الآن يقف
على قدميه وينظر إلى الأفق ويفكر كيف يريد أن يصبح بمستوى عظمة هذا الكون الذي
اكتشفه لتوه. كان الإنسان القديم قد بنى أساطيره على المعرفة البسيطة،
والمغلوطة غالبًا، التي كان يشكلها عن الطبيعة والكون. أما اليوم، فإن الإنسان
يبني أسطورة معرفية حقيقية بما هي مفتوحة باستمرار على التجدد والتطور.