|
مدخل
إلى النظرية العلائقية
سامي
محمود علي
تعرِّف
النظرية العلائقية في النفسجسميات[1]
بثلاثة محاور أساسية للأداء، ترتسم اعتباراً
منها ثلاثةُ أشكال باثولوجية رئيسية، تشتمل
على النفسي والجسمي في آنٍ معاً. وتتعيَّن
محاور الأداء، كما والأشكال الباثولوجية
المقابلة لها، بمفهومين أساسيين: وظيفة
الخيال، من ناحية، وكبت وظيفة الخيال، من
ناحية أخرى. ويسمح بسطُ هذين المفهومين، عبر
مقاربة بَدَرية، باستنباط الباثولوجيا
البشرية برمَّتها، في انتمائها المزدوج إلى
النفسي وإلى الجسمي. غير أن هذا الاستنباط ليس
ممكناً إلا لأن الخبرة العيادية قد يسَّرت
أصلاً عدداً من الاكتشافات الجوهرية. * فما
هو الخيال؟ الخيال
مفهوم نفساني وبيولوجي في الآن نفسه، مقيَّض
له أن يؤسِّس لما يُتعارَف عليه كصحة وكمرض،
بمقدار ما يتعلق كلاهما بسيرورة نفسجسمية
ينتظمها تقلُّب الأعراض – وهو تقلُّب يجيز
تتبُّعَ تطور باثولوجيا تتملص من الحواجز
الموضوعة بين النفسي والجسمي، الأمر الذي
يكرِّس في الحال استمرارية الأداء حيثما
نصطدم بانقطاع الأداءات الجزئية. عِياناً،
ليس الخيال شيئاً غير الحلم ومكافئات الحلم
في حياة الصحو. لكن الحلم أصلاً سيرورةٌ
بيولوجية محمولة على إيقاع ومرقَّنة بتناوب
النوم الخُلفي[2]
والنوم البطيء، وفي الوقت نفسه بحضور أداء
يتصدَّر فيه الخيال قبل انبثاق الواقعي. فإذا
سلَّمنا بأن الحلم تحقيق للرغبة فإن الرغبة
ليست هي ما يطلق للحلم العنان. فالحلم،
بمضمونه الخاص، ليس إلا غارب موجة تتجدد
وتأتي من مكان أبعد. لا
يصح اختزال الخيال إلى التمثيل بالصور لأنه
الذاتية بعينها. لذا فإن الخيال مرادف
للإسقاط، الذي ينبغي أن نرى فيه ضرباً من
الفكر يختص به الحلم، يحوِّل الذات إلى
موضوعات كما وإلى مكان الموضوعات وزمنها: إنه
الذاتي بإطلاق وقد صار الموضوعي بإطلاق. من
هنا فإن الإسقاط لا يُختزَل إلى آلية جزئية
تتصل بالاستدماج،[3]
بما أنه ينبغي، في هذه الحالة، أن تنطرح
مجدداً مسألةُ منزلة الغرض الخيالي الذي
نقتنيه ونتخلَّى عنه – وهذه مسألة لا يجوز
تجاهلها. غير
أن الحلم ليس الحلم الليلي فقط. حسبنا هذه
المعاينة لكي نتصور نَسَباً للخيال يجيز
الإحاطة بوحدة الأداء النفسجسمي الذي ليس
الكلِّية والذي يتفعَّل في شروط أخرى غير
النوم، عبر تنويعات النشاط الأحلامي التي هي
التهويم، وأحلام اليقظة، والهذيان،
والهلوسة، والوهم، والاعتقاد، واللعب،
والتحويل، والسلوك السحري... – وكلها ظاهرات
يحدث فيها الحلم من أجل تحقيق توازن، مختلف في
كل مرة، بين الواعية، وما قبل الوعي،
واللاوعي. ففي النفسجسميات، أكثر من أي مكان
آخر، لا مندوحة من التأكيد أن الخيال واحد
وأنه وظيفة تتكوَّن. تتوسط
في هذا التكوُّن العلاقةُ الباكرة بين الأم
والطفل؛ فعبر هذه العلاقة، بالفعل، يتوطد
إيقاع بيولوجي أساسي بحسب ما إذا تم تجاوز
التكرار أو كان هذا يسير نحو النفاد. قَدَران
متضادان، إلا أنهما لا يرتبطان بالتصور
الفرويدي لدوافع الحياة ودوافع الموت، بما
أنهما لا يتعلقان بتلقائية تكرارية مستقلة عن
الطوارئ العلائقية بقدر ما يتعلقان
بتلقائيات ضمن علاقة معينة. هكذا
يُعرَّف بالخيال بوصفه وظيفة تنبسط في علاقة
تتفرد بكون وجودها سابقاً على طرفيها
المترابطين. * [1]
الطبابة التي تبحث في الاضطرابات الجسمية
الناشئة عن اضطرابات ذهنية أو نفسية نتيجة
اختلال حاد أو مزمن في توازن حيوي ضعيف ناجم
عن ضغط نفساني. ولعل أوضح الأمثلة على
الأمراض النفسجسمية الربو والقرحة الهضمية
والتهاب القولون القرحي. (المترجم) [2]
النوم الخُلفي هو طور النوم الذي تظهر فيه
الأحلام، ويتسم بنشاط دماغي مقايس للنشاط
المسجَّل إبان حالة الصحو حين تكون العضلات
مسترخية تماماً، كما ترافقه حركات العينين
السريعة REM. (م) [3]
السيرورة التي يمتص الفرد عن طريقها، أو
يستدمج في بناء الأنا، شخصاً أو موضوعاً،
كلياً أو جزئياً، بحيث تصير علاقته بالشخص
أو الموضوع المُستدمَج علاقة مع صورة الشخص
أو الموضوع "في الداخل" بدلاً من أن
تكون مع الشخص أو الموضوع "في الخارج"؛
والاستدماج عبارة عن دفاع، وفي الوقت نفسه،
سيرورة تطورية سوية: دفاع لأنه يخفف قلق
فراق المحبوب، وسيرورة تطورية لأنه يساعد
الفرد على تحقيق حكم ذاتي متزايد. وعكسه الإسقاط،
وهو سيرورة نفسية تتجه من محور الداخل إلى
الخارج، معاكسة بذلك الإدراك الذي ينقل صور
الأشياء إلى النفس عبر الحواس؛ فالإسقاط
ينقل صور أشياء قابعة في اللاوعي إلى موضوع
خارجي، لكي تعود الحواس فتتلقَّفه ثانية من
الخارج إلى الداخل. (م) [4]
أي تحويل اضطرابات أو نزاعات نفسية إلى
أعراض جسمية وظيفية. (م) [5]
الهستيريا التحويلية شكل من أشكال العصاب
يتظاهر بأعراض جسمانية، سببُها ليس عضوياً
بل نفسي، ويحمي فيه المرضُ المريضَ من
الموقف المسبِّب للإصابة؛ من هنا فهو لا
يكترث بالمرض، حتى وإن كان معوِّقاً له من
الناحية العضوية، لأنه يشعر بأن وضعه في
وجود المرض أفضل من مواجهته للواقع الذي
يتهرب منه. (م) [6]
يقول زورْن: "كلما تحسَّنتُ ساءت حالي." [7]
وإن كنا نأخذ على هذا المؤلف لغته المنزعية
التي تغيِّب البُعد العلائقي، وتحيل بذلك
كل شيء إلى السيرورة الداخلية، أي إلى
الأداء وحسب. بهذا المعنى، إذا كان الأداء
يراوح مكانه، فإن هذا علامة على انغلاق
علائقي يشير إلى وجود لامخرجية. هذه
الملاحظة تصح أيضاً على باثولوجيات أخرى،
ولا سيما الخاصة منها بالجهاز المناعي،
الذي يؤدي أداءً يبدو متناقضاً، كما في
أمراض المناعة الذاتية. [8]
السيادة الوظيفية لأحد جانبي الجسم على
الآخر التي تجعل الفرد يفضل، على سبيل
المثال، استعمال ذراعه اليمنى على اليسرى،
وبالعكس. (م) |
|
|