frencharabic 

المصالحة

يستحضر مثالُ المصالحة اللقاءاتِ الأخويةَ والوديةَ بعد انقطاع بين أشخاص تمكنوا من التغلب على خصومتهم ومن إسكات مشاحناتهم لإقامة علاقات صداقة فيما بينهم. بذا يمكن لنا أن نحلم بإنسانية متصالحة مع نفسها، تعيش في عالم تغلَّب على جميع النزاعات والمناوءات التي تعترض سبيل اللقاء الأخوي بين البشر والشعوب. إن لهذا الحلم صدى عميقًا في دخيلة كلِّ كائن إنساني، إلا أنه ليس سوى يوطوپيا. وقد يكون من العبث إضاعة وقت طويل عليه حين يُظهِر لنا الواقع، في كلِّ مكان من العالم تقريبًا، أناسًا يمارسون العنف ضد أناس آخرين. ففي مواجهة مواقف الظلم والقمع والحرب هذه قلَّما تفيد الأماني لكي يتصالح البشر. إن المطلوب من كلِّ فرد هو أن يكافح هنا والآن أعمالَ الظلم والعنف التي تكون في متناوله وفي نطاق إمكانيته.

تهدف استراتيجيةُ العمل اللاعنفي، في أيِّ نزاع معلَن، إلى إقامة علاقات عدالة بين الخصمين على أساس الاعتراف المتبادل بحقوقهما واحترامها؛ غير أنها لا تستطيع ادِّعاء إقامة علاقات صداقة أخوية بينهما. قد يكون من قبيل الضلال في المثالية ادِّعاءُ أن الكفاح اللاعنفي ينبغي أن ينال المصالحةَ بين الخصوم. فالعمل اللاعنفي يسعى إلى التوفيق بين حقوق الأفراد والجماعات ومصالحهم أكثر من سعيه إلى المصالحة بين الأشخاص. بذا فإن نجاح إضراب عمالي يتيح إقامةَ المزيد من العدالة بين العاملين وأصحاب العمل بإيجاده تسويةً توفِّق بين مصالح الجميع؛ ولكن قد يكون من الغلو ادِّعاءُ أنه يصالح فيما بينهم.

بذا فإن الهدف المباشر للكفاح اللاعنفي هو كف العداوة وليس عقد أواصر الصداقة. غير أن الطرائقُ اللاعنفية، مقارنةً مع وسائل العنف، تتمتع بميزة حاسمة: فهي لا توسِّع الانقساماتِ بين الخصوم بمراكمة جراح لدى الطرفين لا يمكن لها أن تندمل قبل مرور وقت طويل. إن الحل اللاعنفي للنزاعات يترك الباب مفتوحًا، لكنْ إلى أجَل، لإمكانية المصالحة بين الأشخاص. فهو يتيح، على الأقل، عدمَ استبعادها ويراعي المستقبل أفضل مراعاة. لكن ما يريد الحلُّ اللاعنفي نواله هو العدل، كل العدل، ولا شيء غير العدل. يمكن لنا أن ننتظر من الكفاح في سبيل العدل أن يتيح المصالحة، لكننا لا ننتظر منه أن ينالها. فالمصالحة سيرورة طويلة من اندمال الجروح الحاصلة ومن الشفاء من الآلام التي تكبدتْها الجهتان طوال فترة النزاع.

قد يكون من قبيل الوهم أن نأمل بالعيش يومًا ما في عالم دون نزاعات، عالم لا تقوم العلاقاتُ فيه بين الأشخاص والشعوب إلا على أساس الثقة. فكل علاقة بالآخر تنطوي على تحدٍّ défi؛ إذ إن لقاءنا الأول معه يجري في جوٍّ من الريبة défiance. إن قوام السياسة، على الخصوص، قوام من شأنه ألا يشدد على محبة القريب بقدر ما يشدد على احترام البعيد. فالطموح الوحيد المتاح لنا – وهو مغالٍ أصلاً – هو تنظيم المجتمع السياسي بحيث تتأسس الروابطُ بين المواطنين فيه على العدل، أي على الحرية والمساواة.

يمكن لبُنى عادلة ومؤسسات ديموقراطية أن تعلي من شأن العدالة بين البشر، ولكن لا جدوى من انتظار أن تقوم بتنظيم الأخوَّة. فالأخوَّة من مرتبة أخرى.

·        العدل

·        العفو

ترجمة: محمد علي عبد الجليل
تدقيق: ديمتري أڤييرينوس  

return to the index

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني