|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
نشهد في الشرق الأوسط ظاهرة لا تتكرر إلا مرة كل نصف قرن أو كل قرن – حين ينتفض أناس من مختلف الأعمار، والديانات، والهويات السياسية، من أجل الحرِّية والعدالة، وهم من أجلِ ذلك مستعدين للتضحية بأنفسهم، وبمهنهم، وبعملهم، وتقاعدهم، بطريقة غير عنفية في سبيل قضية الحرِّية والعدالة. إنه الحلم يتحول إلى حقيقة، وخاصة بالنسبة لمن كان منا يناضل من أجل اللاعنف منذ سنوات طويلة. لأنه عندما تصدم الشرارة ضمير الناس، فإن هذه الشرارة سرعان ما تتحوَّل إلى قصبة مضيئة، ثم تصبح نارًا ومن ثم تتحوَّل حتمًا إلى نجمة تدل كل واحد إلى الهدف. في تلك اللحظة، يشعر الآلاف والآلاف من الناس أنهم متحدون مع سواهم من دون أيِّ تردد أو تحفظات تتعلق بما يفكرون به أو باستراتيجياتهم. فتصبح أهدافهم وتطلعاتهم واحدة، من خلال رغبتهم بمستقبل أفضل. حيث يريدون إسقاط أكثر الطواغيت تجبُّرًا، أولئك الذين اضطهدوهم لسنوات طويلة جدًّا، ويملكون سلطة الزجِّ بهم في السجون، وحرمانهم من حقوقهم، وتعذيبهم، وحتى قتلهم ومحو أي أثر لهم. لكن هؤلاء الناس، الذين يؤمنون بأن لهم الحق بالحرِّية، كأي أشخاص آخرين في أي بلد من بلدان العالم، لا يعبأون بتلك المخاطر. فهم في مثل تلك اللحظات ينسون حتى أنهم عرب أو مسلمون أو مسيحيون، أو سنَّة أو شيعة، ويتماهون مع تلك الفكرة التي تقول بأن كلَّ واحد بحاجة إلى الحرِّية. لذلك، ليس بوسعنا إلا أن نهنىء كلَّ شخص يتظاهر، ويحتج، ويشارك في تلك الانتفاضة التي تعمُّ العالم العربي. وما هذه إلا البداية. لأنها كي تكون حرَّة في النهاية، فإن جميع البلدان العربية بحاجة لأن تتماهى مع مصر وتونس. لأنه يفترض بأن تكون لأي انتفاضةٍ لاعنفية استراتيجية مشتركة، وهذه في العالم العربي، يمكن أن تكون ذاتها تلك التي أثبتت فعاليتها في الهند، والفيليبين، وكوسوڤو، وبعض مناطق أمريكا الجنوبية.
ملاحظات تمهيدية انتشرت الثورات اللاعنفية ضد الأنظمة الديكتاتوية الحاكمة منذ أمد طويل في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كالنار في الهشيم. وفي هذا الوقت، كان الكثير من الفلسطينيين يتفكَّرون بالكيفية الأفضل لترجمة استراتيجيات مثل هذه الحركات العفوية إلى تطلعاتهم الخاصة. ومن الجلي أن هناك بعض الفروقات بين معظم الحالات التي تنحو إلى تغيير النظام بدعم هائل من شعبك وبين الحالة الخاصة لانتفاضة ضد سيطرة عسكرية ساحقة لحكومة إسرائيلية تحوز على أغلبية كبيرة مُكيَّفة لدعم قمع ثورة معادية. تحليل واقعي لردود الفعل الإسرائيلية تجاه قيادة فلسطينية ثابتة محتملة ونضال لاعنفي واسع النطاق يمكن أن يُصاغ في الغالب بتأثير ثلاثة متغيرات: 1. إقرار بالنجاح المتنامي للسبيل اللاعنفي على الصعيد الدولي؛ 2. التصورات الإسرائيلية الذاتية المستندة إلى ذاكرة جمعية عن الأضحوية والاضطهاد في التاريخ اليهودي؛ 3. مدى الفعالية الملموسة للعملين العنفي واللاعنفي على امتداد الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، خصوصًا من خلال التجارب في الانتفاضتين الأولى والثانية.
أنت جنديٌّ. علَّموك إطلاق النار والطعن والمشية العسكرية والرياضة؛ علَّموك اللغة، وأخذوك إلى الدروس والاستعراضات العسكرية. ربما وجدتَ نفسك في الحرب، تقاتل الأتراك أو الصينيين، منِّفذًا كلَّ ما تؤمَر به، ولكن لم يخطر في بالك قط أن تسأل نفسك: هل ما تقوم به حسنٌ أم سيئٌّ؟ لكن، ها أنت ذا تتلقى أمرًا بالالتحاق بسرِّيتك أو كتيبتك، وتأخذ معك رصاصًا حقيقيًا. فتذهب، راكبًا أو ماشيًا، دون أن تتساءل إلى أين يسوقونك. يُساق الفوج إلى قريةٍ أو مصنعٍ ما، وترى من بعيد حشدًا متجمهرًا في ساحة القرية أو فناء المصنع، رجال ونساء مع أطفال، شيوخ وعجائز. المحافظ أو النائب العام، ترافقه الشرطة يقتربون من الحشد، ويتجادلون حول أمرٍ ما. يصمت الحشد في البداية ثمَّ يبدأ بالصراخ أعلى فأعلى، فتبتعد القيادة عن الناس. وأنت تُخمِّن أنَّ هؤلاء الفلاحين أو العمال يُخلُّون بالنظام، ثمَّ تُعطى الأمر بقمعهم. تبتعد القيادة عن الحشد وتقترب منه عدة مرات، لكن الصراخ يعلو ويعلو، والقيادة تتباحث فيما بينها، ثم يأمرونك بتلقيم سلاحك برصاصٍ حقيقيٍّ. إنك ترى أمامك أناسٌ – هم ذاتهم الذين خرجت من بينهم: رجال في معاطف طويلة، ومعاطف قصيرة، يرتدون نعالاً مصنوعة من ألياف لبيَّة، ونساء مع أطفالهن، يرتدين الأثواب والقفاطين، يشبهن زوجتك أو أمك.
يجمع المسلمون على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بذكرى مولده، وكذلك لم يفعل أصحابه والتابعون والأئمة والسلف الصالح. وجميل أن تكون الاحتفالات من باب عمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وأن نذكر بعضنا بعضًا برسالة السماء التي أنزلها الخالق سبحانه وتعالى على صاحب الذكرى، وذلك لأننا مهما أوتينا من علم وفصاحة وبيان، فإن كل احتفالاتنا ومقالاتنا لن تضيف شيئًا إلى من اصطفاه الله تبارك وتعالى ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، ومن وصفه: "وإنك لعلى خلق عظيم". ومن رفع ذكره: "ورفعنا لك ذكرك". ولقاء الدعاة، وغيرهم من المواطنين، في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فيه كثير من الخير والبركة، ويمنحنا فرصة للحوار لتكون الدعوة أكثر قوة وأطيب ثمارًا، ولنتخلص من كثير من السلبيات على امتداد وطن العرب وبلاد المسلمين، ومن أشدها خطرًا معايير تدين تسللت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى كثير من شبابنا الطيبين ودعاتنا المخلصين. معايير استبدلت السماحة بالتعصب، والنزعة الإنسانية بالقبلية، والرسالة العالمية بانتماء حزبي، والدعوة بالقدوة الحسنة بالعمل السري والعنيف، والكلمة الطيبة بالتكفير والتخوين.
عند الحديث عن العنف الرجالي ضد النساء، تتبادر إلى الذهن صور نمطية عن الرجل العنيف وعن المرأة المعنفة. صور ترى في الرجل العنيف رجلاً سكيرًا، غير متوازن نفسيًا، مهمشًا (اجتماعيًا) أو فقيرًا... وترى في المرأة المعنفة امرأة مازوخية، عديمة الإرادة، غير متعلمة... آن الأوان لتعرية هذه الصور النمطية المسبقة التي تختزل العنف الرجالي ضد النساء في العنف الفيزيقي (الضرب) والتي تجعل من العنف الرجالي مجرد حالات استثنائية شاذة تقع من حين إلى آخر. 1. أنواع العنف الرجالي: بادئ ذي بدء، لا بدَّ من التمييز بين خمسة أنواع من العنف هي: العنف الفيزيقي، العنف الجنسي، العنف النفسي، العنف الاقتصادي، العنف الثقافي. يحيل العنف الفيزيقي على الضرب والجرح والكسر والمنع من الخروج. إنه الوجه الأكثر انتشارًا من العنف الرجالي، والذي يترك آثارًا واضحة على جسم المرأة. وبإمكانه إحداث عاهات مستدامة للمرأة المعنفة.
نحن في فيتنام، نجازف إلى حدٍّ كبير حين ننشر قصائد مناهضة للحرب. فقد تمَّ اعتقال ونفي البوذيين الذين احتجوا على الحرب، وهم يُقتَلون الآن في "دانانغ". وبسبب هذه المخاطرة الكبيرة، أحجم البوذيون الذين تظاهروا في فصل الربيع، عن التأييد الصريح لإنهاء الحرب عبر المفاوضات؛ وعوضًا عن ذلك، دعوا إلى انتخابات وإلى نظام ديمقراطي. إننا في مأزق يَصعُب التعامل معه: إن دعونا صراحة إلى السلام، فسوف نصنَّف مع الشيوعيين، وستجري محاولة قمعنا من قبل الحكومة؛ وإذا انتقدنا الشيوعيين، فسنجد أنفسنا في صفِّ أولئك الفيتناميين الذين كانوا يقومون منذ سنوات بالدعاية لصالح الأمريكيين، والذين شوِّه خطابهم واتسخ لأنهم كانوا مستأجَرين لنشره. فلكي تكون مناهضًا للشيوعية بصورة مشرِّفة، عليك أن تبقى صامتًا، وبسبب صمتنا وصفنا بالسذاجة لأننا لا ندرك ما تمثله الشيوعية من خطر. لكننا لسنا كذلك. فنحن واعون تمامًا للقيود المفروضة على البوذية في الشمال. كما درسنا ما حدث في الصين. ونعلم أن لا مكان للروحانية في قلب الماركسية. ونحن على استعداد لخوض غمار صراع سياسي سلمي مع الشيوعيين، لكن فقط إذا كان ممكنًا إيقاف ذلك الدمار الذي تخلِّفه الحرب. ونحن على ثقة بأن الفيتناميين الجنوبيين قادرين على حماية أنفسهم من الهيمنة الشيوعية إن سُمِح لهم بممارسة حياتهم السياسية بسلام.
|
|
|