|
منقولات روحيّة
ما دام هذا الكتاب يتحدث عن النمو الروحي، فهو حتمًا سيتحدث عن الوجه الآخر للعملة: معوِّقات هذا النمو. والخلاصة أن ثمة معيقًا واحدًا، وهو الكسل. إذا كان لنا أن نقهر الكسل فسنتغلب تلقائيًا على جميع المعيقات الأخرى، وما لم يكن بمقدورنا ذلك لن نستطيع القفز فوق أي من الحواجز الأخرى. هذا الكتاب، إذًا، هو عن الكسل أيضًا. خلال حديثنا السابق عن ممارسة النظام على أنفسنا كنا نعتبر أن الكسل هو محاولة لتجنب المعاناة الضرورية للنمو، أو، بكلمة أخرى، السير في الطريق الأسهل؛ وخلال اختبارنا وتفحصنا لمعنى الحب كنا أيضًا نختبر حقيقة أن اللاحب هو عدم الاستعداد لجعل ذاتنا أكثر اتساعًا من الداخل؛ الكسل، إذًا، هو نقيض الحب. النمو الروحي مجهد كما ذكرنا مرارًا، ونحن الآن في موقع نستطيع منه أن نتفحص طبيعة الكسل من وجهة نظر أكثر تبصرًا، ونكتشف أن الكسل هو قوة الإنتروبية كما تبدو في حياتنا جميعًا.
لغفلة مفهوم أثير عند الصوفية، وقد نضج وتبلور نظريًا عند أبي حيان التوحيدي (القرن الرابع الهجري)، ويعد صاحب رؤية صوفية عميقة انجلت عبر نصه الهام الإشارات الإلهية رغم أنه لم يكن صوفيًا بالمعنى الدارج للكلمة، وهي مسألة لا ينبغي أن تعد معيارًا للحكم على مدى مصداقية رؤيته الصوفية ومشروعيتها معرفيًا وقيميًا، من وجهة نظرنا. ولنتوقف عند مفهوم الغفلة كما صاغه التوحيدي، حيث إن "الغفلة" لا تعني عنده العدم المعرفي المحض، وإنما تعني حضورًا معرفيًا إزاء الموضوع، لكنه حضور الجهالة والغياب والعجز عن إدراك الحقيقة أو إدراكها إدراكًا وهميًا زائفًا ينطوي على الشبهة والضلالة والمخايلة، بمعنى أن الموضوع يستتر محتجبًا بظاهره الخارجي المموه الذي يستلب الوعي ويغيبه عن لب الموضوع وحقيقته الخفية الكامنة في عمقه، بل عن كونه حجابًا على الحقيقة، وليس منها في شيء، وإن كان يومئ إليها من طرف خفي، بوصفه أحد إمكانات الوجود. يقول التوحيدي:
النظام الشمسي سباعي المستويات، وكل يحوي سبعة مستويات تحتية، فعلى المستوى الفيزيائي، تشكل المستويات التحتية الأكثف ما ندعوه بـالجسم المادي، أو الفيزيقي، وهو جسم مادي كثيف. أما المستويات التحتية الأقل كثافة على المستوى الفيزيقي فتشكل ما ندعوه بـالجسم الأثيري، أو طاقة الحياة، برانا prana. أما على المستوى النجمي astral، فالإنسان يمتلك فقط جسمًا نجميًا واحدًا يتشكل من ذرات المستوى النجمي. وعلى المستوى العقلي، تشكل المستويات التحتية الكثيفة ما ندعوه بـالجسم العقلي الأدنى أو الجسم الرغائبي kama rupa. والمستويات الأكثر شفافية تشكل الجسم العقلي الأعلى أو ماناس manas. وعلى المستوى الإشراقي بودهي buddhi، وعلى المستوى الروحي، يتشكل الجسم الروحي أو آتما atma. وعلى المستويات التحتية الكثيفة من مستوى آتما تبدو الشعلة الإلهية، الموناد Monad، وكأنها منفصلة عن الشمس الإلهية. ويتحول الوعي الكوني إلى وعي فردي؛ بينما على المستويات التحتية الأكثر شفافية تبقى الشعلة الإلهية، الموناد، متجذِّرة في المركز الإلهي. ومن جهة ثانية، ففي وسط المستوى الجرمي المادي توجد نقطة الاتصال بين المرئي وغير المرئي. وكذلك في وسط المستوى النجمي astral توجد نقطة الاتصال بين الشخصية أو الذات الدنيا، المؤلفة من الجسم الجرمي والأثيري والنجمي والرغائبي، وبين الفردية Individuality أو الذات العليا Higher Self، المؤلفة من الجسم العقلي والإشراقي والروحي Atma، وكذلك في وسط المستوى الروحي Atma توجد نقطة الاتصال بين الفردية والشعلة الإلهية، الموناد.
يتوجب عليَّ الآن أن أشرح ما تعنيه عبارات سفر وأسفار (أي السفيروت)، حيث الكلمة الأولى هي المفرد والثانية هي جمع الأولى. وأفضل تعريف لهذه الكلمة هو "ما ينبثق من العدد"، لأن هناك عشرة أسفار تمثِّل وفق الترقيم العشري أكثر الأشكال تجريدًا لتلك الأرقام العشرة – أعني الأرقام 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، و10. لهذا، وكما نفعل في الرياضيات العليا حين نفكر في الأعداد بشكل مجرد، كذلك سنفعل في القبالة، ونفكر في الألوهة من خلال الشكل التجريدي للأرقام، أي بعبارة أخرى من خلال الأسفار أو السفيروت ספירות. من هذه النظرية المشرقية القديمة استقى فيثاغوراس أفكاره المتعلقة بالرمزية الرقمية.
|
|
|