|
إضاءات
مشهورةٌ
الرسالة التي وجَّهها، عشيَّةَ نشوب الحرب
العالمية الثانية، العالِمُ الكبير ألبرت
أينشتاين إلى الرئيس الأمريكي روزفلت يخبره
فيها عن إمكانية اختراع القنبلة الذرية. وهذه
الرسالة كانت في أساس قيام "مشروع مانهاتن"
الذي تمخَّض عن صنع القنبلتين اللتين
أُلقِيَتا على اليابان – مع أن الحرب كانت قد
حُسِمَت عمليًّا، ومع أن أينشتاين عاد فكتب
رسالة أخرى يطالب فيها الرئيسَ بعدم استخدام
السلاح الذري. من المعروف أيضًا أن أينشتاين
أعرب عن ندمه على الرسالة الأولى بعد ما رآه
من نتيجتها، وبعد أن سبق السيف العذل، وصرَّح
مرةً بأنه، لو عاد به الزمن إلى الوراء،
لاختار أن يكون "سمكريًّا"! وعندما عُرِض
عليه بعد ذلك أن يكون أول رئيس لما يسمَّى "دولة
إسرائيل" (بحكم كونه يهوديًّا) رفض العمل في
السياسة قائلاً: "تعمل السياسة من أجل
اللحظة الراهنة، أما المعادلات فللخلود." على
الرغم من انطلاق حركة التنوير العربية الأولى
منذ منتصف القرن التاسع عشر وبدايات العشرين،
لم تتمكن الحركة الثقافية الوطنية من تحقيق
التواصل المعرفي المطلوب بينها وبين فكر
العقلنة والتنوير والديمقراطية للمنوِّرين
الأوائل. بل
جاءت اللبرالية، ومن بعدها الماركسية،
بالنسبة إلى الكثير من مثقفينا، نمطًا جديدًا
من الاغتراب، نمطًا شعبويًّا لفكرٍ مسطَّح
يتخذ لبوس عقيدة وحيدة الوجه والأبعاد. الحديث عن الحقيقة ليس
بالأمر السهل، إذ يحمل في ثناياه الكثير من
المعضلات. فعندما يتم تناول مفهوم الحقيقة
بالمفرد يبدو، للوهلة الأولى، كأن ثمة حقيقة
واحدة ثابتة؛ بينما عندما يجري الحديث عن
الحقائق بصيغة الجمع، من حيث هي قضايا متعلقة
بجزء ما من هذه الظاهرة، من هذا العلم، فهنا
تحمل الحقيقة معنى جزئيًّا أو نسبيًّا. فيجري
الحديث، في إطار المعرفة العلمية، مثلاً، عن
أمر هو الحقيقة العلمية؛ ومن بعدُ تتفرع هذه
الحقيقة إلى حقائق علمية عديدة، كالحقيقة
الفيزيائية والحقيقة البيولوجية والحقيقية
السوسيولوجية؛ ويمتد المجال ليشمل حقولاً
معرفية في الوجود، كالحقيقة الفنية والحقيقة
الدينية وغيرهما. هناك
انفصام كامل في التراث العربي بين الحداثة
والأدب الإيديولوجيا
حلَّتْ محلَّ الفلسفة في الأدب، ورضي الأدباء
بذلك أعرف، من
تجربتي، أن الشعب في وادٍ والأديب في وادٍ آخر رؤى
الكتَّاب مبعثرة بتبعثر الاتجاهات الفكرية
والقطرية
|
|
|