|
إضاءات
1 أصحبت مراجعة المفاهيم والأفكار والحقائق الدينية ضرورة اجتماعية، وحاجة إنسانية وعقلية. وموضوع العبودية، بكل أنواعها، وعلاقتها مع بناء أخلاق الإنسانية، من المواضيع الحساسة كونها تشكل التمثل السلوكي والظهوري للدين بشكل خاص، وتأثيره المباشر على المجتمع بشكل عام. ويشتد ظهور هذه الأفكار والحقائق الدينية في فترات مختلفة، وتفعل فعلها في مجتمعات لها خصوصيات تواصلية تتوافق نوعًا ما معها، أو أنها روضت عليها عبر تاريخ طويل من الإيمان بها. والموضوع الذي نطرحه هو حول العبودية والأخلاق والقيم، كون هذه المفاهيم تشترك، كعناصر سلوكية ونفسية، في بناء الذات الإنسانية، وهي ليست حقائق قائمة خارج الوجود الإنساني، أو مفاهيم تشكل منظومة خارجة عن الذات الإنسانية عبر التاريخ كباقي الحقائق الأرضية التي استقلت بذاتها كمنظومات لها قوتها الخاصة واستراتيجياتها المعرفية (كسلطة الدين، وسلطة التاريخ، والقوانين، والأحكام السماوية والأرضية في الماضي، وأنظمة التقنيات، وعلوم الاتصال الحديث، والمؤسسات المدنية، والعلوم الحديثة في الحاضر). كل هذه الأشكال من الحضور الديني والمعرفي والأيديولوجي والعلمي أصبحت خارج الوجود الإنساني وتتحكم في الكثير من مفاصل الحياة. لكن الحقائق الأخلاقية والفضائل الإنسانية بقيت متلازمة في ظهورها وفعالية تطورها مع مسمى الإنسان كقيمة وجودية وشكلاً أرضيًا ومعنىً حضوريًا للوجود. تقام الأخلاق كمنظومة معرفية وسلوكية لجوهر الوجود الإنساني، وتتأثر باتجاهات الحياة سواءً كانت دينية أو أيديولوجية أو فلسفية أو معرفية، وكل ذلك يتسرب إلى الأخلاق ويؤثر فيها.
مقدمة القراءة ظاهرة اجتماعية - سيكولوجية معقدة، وقد كانت في الأساس موضوعًا من المواضيع التي تبحثها التربية، وقد ظلت المشاكل المتعلقة بالقراءة مدة طويلة من الزمان من اختصاص رجال التربية وحدهم. ورغم التقدم النسبي الكبير الذي أحرزته الدراسات التربوية لظاهرة القراءة، إلا أنها لم توف هذه الظاهرة حقها، ولم تحط بها من جميع الجوانب، ولهذا أخذت علوم أخرى كثيرة تبحث هذه الظاهرة المعقدة، وعلى رأسها العلوم النفسية مثل علم النفس اللغوي، وعلم النفس القرائي وغيرهما من فروع علم النفس. لقد اجتذبت ظاهرة القراءة اهتمام الباحثين النفسيين والتربويين، فوضعوا لها النظريات المختلفة، وأشاروا إلى الصلة الوثيقة بين سيكولوجية القراءة ومسألة الاستيعاب، وطرحوا مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول هذه الظاهرة، مثل:
الموضوعة التي نحن بصددها موضوعة إشكالية وشائكة، محفوفة باتهامات التكفير، إذ هل من المعقول غبّ أكثر من ألف وأربعمائة عام للهجرة، شهدت ما شهدت من شد وجذب، وعرفت تيارات فكرية وسياسية لاتعد، تمحورت في خلاصتها حول تاريخ الدولة الإسلامية، بما هو شأن بشري، وشكّلت المنظومة الدينية الإسلامية بقراءاتها المختلفة مظلتها الأيديولوجية؛ نقول هل من المعقول أن يأتي من يحاول أن يلفق أو يوفق بين الإسلام بما هو تسليم، وحقوق الإنسان بما هي شرعة دولية تتكىء على ميثاق الحقوق السياسية والمدنية، ثمّ لاحقًا على ميثاق حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، من غير أن يطاله - على الأقل - التشكيك في موضوعية طرحه، ومن ثمّ حياده!؟ بمعنى آخر، هل نسلّم بما قاله الكاتب نبيل فياض بأنّ ديموقراطية الإسلام وحرية الرأي فيه خرافة، أم ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى، زاوية الواقع الموضوعي، الذي يرى في الإسلام محركًا لمليار ومئتي مليون على الأقل، وبالتالي نحاول أن نؤسس للعنوان الإشكالي، عن طريق نزع القداسة التي سحبت ظلها على تاريخ الدولة الإسلامية حتى لكأنّها جزء من المقدس الإسلامي، أي من النص القرآني الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، أي من الإسلام كدين!؟ وإذن هل نذهب مع نبيل فياض إلى أنّ تحطيم الأصنام كان تحطيمًا للتعددية المكية، التي تقبل الآخر بدون تحفظ! وذلك لصالح إله واحد لايقبل بأي حال وجودًا لغيره!؟ أم نذهب إلى أنّ الله ضرورة، حتى، على المستوى الفلسفي/الديني/السياسي، لأنّه يؤسس للمطلق، وما دونه، حتمًا، سيكون آنئذ نسبيًا، وإلا فإن كل منّا سيحول نسبيته إلى مطلق، ما يؤسس للاستبداد على المستوى السياسي بحسب المفكر الياس مرقص، وفي أكثر من مكان في كتاباته!؟
يدرك المتابع للتاريخ الحديث والمعاصر لأمتنا ووطننا أن منحنى قوتنا وهيبتنا وقدرتنا على الدفاع المشروع عن وجودنا، بشرًا وأرضًا وهوية ومقدرات ومقدسات، في هبوط وانحدار متواصلين. رغم مئات محاولات الإصلاح التي أجريت تحت مختلف الشعارات. وذلك لأن الأخطاء التي ارتكبها كل دعاة التغيير من مختلف الأطياف والتيارات والمواقف، قد تجاوزت مستوى الأخطاء في التكتيك، بل مستوى الأخطاء في الإستراتيجية، ليصل إلى مستوى الأخطاء في الفكر. أي أننا غيرنا بعض الأنظمة من ملكية إلى جمهورية، ومن رجعية إلى تقدمية، ومن علمانية إلى إسلامية، ومن انفصالية إلى وحدوية، ومن مهادنة إلى ثورية، ومن انبطاحية إلى مقاومة. لكننا لم نغير ما هو أعمق وأكثر جدية، وهو نمط التفكير، ودرجة احترامنا للقيم. نعم إننا حافظنا على ذهنيتنا وكأنها إحدى المقدسات التي يحرم الاقتراب منها، فضلاً عن نقدها وتحليلها وتغييرها. كيف نفسر التعاسة والمهانة التي نغرق فيها، رغم كل التغييرات الكثيرة والمتنوعة التي أجريت على مستوى الأمة والوطن ولم تتجاوز تغيير لون الطلاء والديكور، والتصميم الداخلي، لكننا أبقينا القواعد الفكرية والقيمية على حالها. وكيف يتحقق التغيير بدون تغيير للذهنية المنتجة الفكر والبرامج والآراء السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والإدارية. كأننا حاولنا اصطناع تغيير لأعراض المشكلة، ولم نعمل على تغيير أسبابها، ولله در الحكيم القائل: (متى يستقيم الظل والعود أعوج).
لو كان المقصود بمفهوم الشكل هو الشكل المادي، أي الشكل الجسمي - ضمن مرجعية العقد الفئوي الإسلامي على الأقل - فلا يجوز، ضمن دائرة هذه المرجعية، وصف الإله بحيز جسمي وشكل معين، فهو "ليس كمثله شيء". الإيمان هو شكل إيماني، أي طريقة تشكُّل ذات أبعاد متعددة نفسية ومعرفية واجتماعية وسياسية ...الخ. فأنا هنا لا أناقش قضية كون هذا الإيمان بالله صحيحًا أو مزيفًا فهذا يعود بنا إلى المربع الأول مربع الحكم وفق منطق الثنائيات حقيقي/مزيف. الشكل الإيماني هو صيرورة حركية احتمالية نسبية، ويتماثل إيمان البشر بالله بكونه شكل إيماني، ويختلفون في كونهم يتحوّون طرائق تشكل مختلفة وخاصة لإيمان كل واحد لديهم، بل وبين لحظة وأخرى وموقف وآخر عند نفس الشخص.
هناك مثل يقول: "نبأ السوء سرعان ما يسري". وذات مساء حدثتني امرأة عجوز بانفعال عن هذا القول: "نبأ السوء حسب هذا المثل ينتشر بسرعة من تلقاء نفسه، ولكنني أعتقد أن الأصح أن نقول إنه يُذاع قصدًا". وكان هذا هو ما تعنيه: إن القبح في أذهاننا يسمح لنا أن نجد العيب في زلاّت الناس العادية ونبالغ فيها. ونحن بسبب هذه النزعة السلبية أميل إلى أن نلوذ بالتحامل على الآخرين ثم نبثّه هنا وهنالك على شكل إشاعة رديئة من خلال التحدث إلى الناس. وأعتقد أن هذا صحيح ولا ريب. فمن اليسير أن نجد العيب في الآخرين، ولكن من العسير أن نجد فيهم المزايا والفضائل. والأحرى بنا لكي نتبين السمات السلبية في الآخرين من الناس أن نطور أنفسنا حتى يكون بإمكاننا ذلك. ونوْلُنا أن نعقد النية على هذا لا خلال الاستراحات القصيرة في الحياة اليومية وحسب بل لدى تعرضنا الدائم للوسائط الجماعية في المجتمع المتكيف مع الأبناء.
|
|
|